شعار قسم مدونات

وتكون هي أول من يؤمن بك

blogs - زواج

الكثيرُ من الشباب الذين يعيشون حياة الغرباء في وضع حرج، إذ أن الشّابُّ منا لا يريد أن يعيش حياته كالآخرين؛ لذا تجده يعاني من كل شيء، حتى وإن تظاهر بالصمود أمام الجميع. أقسم لكم، أن أقل شيء يَتركُ فيه أثر، ومع كثرة الصدمات تجد الآثار تتجمع كالصخر حتى تكونَ جبلا. وعليه، تكون قمة الجبل هي قمة الألم. ومع الكتمان يشتد الجبل صلابة، لدرجة أنه مهما بذل من جَهْدٍ؛ ليزيح جزء من جبل الألم، لا يستطيع تحريكَ قاعدته الراسية في أركان قلبه.

كل هذا بسبب فقد الأحبة، وصدق من قال: "أن فقدهم غربة" غربة تجعلك تكتم كل أوجاعك بداخلك، وتظل تحترق، وعندما تضيق بك الأرض بما رحبت، ولا تجد لك مفر سوي البوح، وبعدما تذرف دموعك، تريد أن تُفرغ أسرار الأحزان التي طُويت علي قلبك دون أن يسمعها مَنْ يُحيطون بك مع تصورك أنهم الأقرب؛ فتذهب لأمك، وتجلس بجوارها، وتبدأ الحوار وتظل تمهد؛ لكي تبوح بما يجعلك لا تقوى علي السير في طريقك وعندما تحين الفرصة، تعترف بجزء من ألمك، وتكمل باقي الحديث في أخبارها أنك علي ما يرام .

ثم تعود لوحدتك نادمًا على ما بُحْتَ به من ألم، رغم أنه لا يتجاوز بضع صخور من ذلك الجبل. وتظل في دوامات لا يعلمها إلا الله ثم تعود إلى أمك، وتمزح معها، وتطلب منها إعداد طعامًا تُحبه، وتقول بصوت ساخر: "يا أمي هذا هو الحب الذي يدوم" هل سمعتِ يومًا أن أكلةً ما خانت صاحبها؟! فتشعر أمه بحزن ابنها، وتحاول أن تُخفف عنه قائلةً: اطمئن يا ولدي، لن تتزوج سوي زوجتك. فيضحك ويتذكر المثل الشعبي الشهير" لو صبر القاتل على المقتول لمات" ثم يركض إلى صاحبه؛ ليخبره بما حدث بينه وبين أمه علي أمل أن يُشفق عليه رفيق دربه، ويسمع ما في داخله، ولكن هيهات!!
 

حان موعد الإعلان عن أنك في أشد الحاجة إلى عدم التمهيد الكثير للبوح بما في قلبك، ولن يتم كل هذا إلا بأن تكون رفيقتك مثلك تماما، تحمل نفس أحلامك وكذلك نفس آلامك، وأن تمتلك هي الآخري نفس الجبل

فيخبر كل منهما الآخر أنه بخير حالٍ، لكن يُقرر أن يروي خيباتِه، ومَنْ ذا الذي لا تتصارع بداخله نوازع الاحتياج للبوح؛ محاولةً الانطلاق بعيدا، ويبدأ في السرد، فيجد رد الفعل أثقل من رد فعل أمه، ولا يكمل حتى أول صخرة من ذلك الجبل. ويحاول الهرب بموضوع آخر، وينجح في ذلك فهو خبيرٌ في الكتمان الذي يريد أن يهرب منه، لكن لا مفر.

أظن بعد كل ذلك أن أصبح الأمر واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار، وأنه في حاجة إلى رفيقٍ لا يخجل من أن يعرف ألمه رغم أنك لا تعرف لماذا تعجز عن البوح؟!! وهم يقولون: أن الصمت أفضل لغة للتعبير، فلماذا يعجز عن وصف ما بداخلك؟!! أنت في حاجة إلي قلب يقوم بمحو ذلك الألم، ومن البديهي: لن يتم تنظيف هذا الألم بشكل صحيح إلا بعد معرفته جيدًا، ومعرفه منبعه.

الأمر ليس بالمُعقَّد، ولكن ليس باليسير، فالأشواك كثيرة، وكما تعلمون أنه خبير في الكتمان، فلا داعى لمعرفتها، ويكفيكم معرفة حجم الألم الذي يشبه الجبل في حجمه، وثباته، وصلابته، وصعوبة الصعود إليه، وأن كل من يحاول الاقتراب من هذا الجبل مصيره محتوم وهو الكسر.

شباب اليوم يحتاج ألَّا يحتاج. لا تخجل ويكفي كل هذا الصمت الذي طال حتى صدأت الكلمات في داخلك، حتى أنها لم تعد صالحة. حان موعد الإعلان عن أنك في أشد الحاجة إلى عدم التمهيد الكثير للبوح بما في قلبك، ولن يتم كل هذا إلا بأن تكون رفيقتك مثلك تماما، تحمل نفس أحلامك وكذلك نفس آلامك، وأن تمتلك هي الآخري نفس الجبل، وهنا تبدأ نهاية هذا الجبل، فالحب الطاهر كالزلزال!!
 

تريد يا صديقي رفيقة تؤمن بك، وتواسيك، وتساندك بكل ما تمتلك هي من حنان، وتساندك بكل قوتها وتتوسم فيك السعادة ستتأتى في قربها منك، ومع ذلك تتركك عندما تذهب في تفكيرك العميق، ولا تقطع حبل أفكارك أبدًا

فعندما يلتقي الجبلان بكل قوة بعد أن ضلوا طريقهم، وصبروا على مشقة الطريق فعندئذٍ يبدأ الجبلان في التصدع، وكلما زاد القربُ زاد الشوق، وتبدأ الصخور الصلبة في الانهيار، والسقوط صخرة تلو الأخرى. حتّى تشرق شمس المودة على أرضية قلبيكما. لأول مرة بعد زوال جبل الألم لكلٍّ منكما، وتبدأ الحياة تزهر من جديد ويأت الربيع، وتنضج ثمار ذلك الحب!!  لا شك أن الفصول ستتوالى، وتتابع فيأتي الخريف بظواهره الجدباء، ولن يطول حتي يأتي الشتاء معلنًا عن قدوم الربيع مرة أخرى، ومع كل تتابع ستمر الحياة وتطيب، وهذا فقط لأنه لم يعد هناك جبال من الألم.

تريد يا صديقي رفيقة تؤمن بك، وتواسيك، وتساندك بكل ما تمتلك هي من حنان، وتساندك بكل قوتها وتتوسم فيك السعادة ستتأتى في قربها منك، ومع ذلك تتركك عندما تذهب في تفكيرك العميق، ولا تقطع حبل أفكارك أبدًا، وإن غبت عنها في العمل للتغلب علي مصاعب الحياة والدعوة يا غريب هذا الزمان. كلنا يعلم مشقة الطريق، ولا يوجد غريب في هذه الأيام إلا أصحاب الدعوات الصادقة، وعندما تضيق الأرض عليك، وترتاع من شدة المحنة، ويرجف فؤادك، وترتعد، وصالك تُسرع إليها وتقول "زملوني زملوني" فتزمَّلك، وتضمك إلى صدرها حتي يذهب عنك الروع، وتستمع إليك بإنصات، وتُطَمْئِنُك، وتبشرك وتشد علي يديك، وتوصيك بالثبات.

وتظل خلفك، وتبذل كل ما تملك من جهد، وتجعلك تتفرغ لنصرة الحق، ونشر الدعوة بتحمل وصبر، وتعينك في إبلاغ رسالتك، وتشاركك في مغارم الجهاد المر، وتؤازرك في أحرج أوقاتكن وتكون هي أول من يؤمن بك، فلا تسمع شيء يُحزنك أو أمر تكرهه من إساءة أو تكذيب إلا ويفرج الله بها عنك عندما ترجع إليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.