شعار قسم مدونات

لو كان أرطغرل بيننا

blogs - Knight
لحسن حظّ أرطغرل بن سُليمان شاه، أنّه لم يكن ابنًا لهذا الزمان، العاق بأبنائه.
لحسن حظّ أرطغرل أنّه لم يأتِ في زمانٍ يرضى فيه قومه بأن يكونوا حمامًا، في زمان الصقور، لكي لا يكون له من ردّة فعل إلا أن يكتب على جدار صفحته في فيسبوك: في زمان الصقور صرنا حمامًا، كيف تحيا مع الصقور الحمامُ؟

ثم لم يكن همّه بعد هذا إلاّ أن يحصد مئات الإعجابات، لأنه أضاف مع بيت الشاعر عبدالرحمن بارود هذا، أنه يشعُر بالقلق.

ماذا لو كان أرطغرل من سكان قاهرة المعز اليوم؟
هل كانت همّته ستعلو كلّ هذا العلو ليحدث الناس عن النظام العالمي، أم أن همّه سيكون في تعويم الجُنيه، وسيُمضي يومه يتندر على "جهاز الكفتة" الذي يعالج كلّ الأمراض بأمر السيسي عبد الفتاح عن عبد العاطي عن بقية الجنرالات.

وإني لأرى ابن سليمان شاه في سجن طُرة يُعاني الاعتقال التّعسفي، وهو يشاهد من محبسه، صلعة عمرو أديب، وهو يفصّل للناس في أمور دنياهم، ويسمع صوتا مزعجا من حنجرة لميس الحديدي، تحكي للناس عن كاريزما عبد الفتاح والكيمياء التي لمسها "ترامب" في الجنرال المدني.

لو كان أرطغرل بهذه الهمة العالية والخصال الحميدة والشجاعة الفريدة، من سكان ليبيا أو العراق أو تونس، لوصف بالداعشيّ، ولو كان من سكان مصر أو السعودية لوصف بالإخواني، ولو كان من سكان فلسطين لهدد بالحرب من حركة فتح لأنه يزعج الجار الإسرائيلي..

بربكم كيف لأرطغرل أن يفهم أماني الخياط، وهي تتحدث عن ما اسمته "مجلس إدارة شؤون العالم"، وكيف له أن يتعايش مع هؤلاء؟

ماذا لو كان علي جمعة هو رفِيقَه بدلا عن ابن عَربي، هل تراه يحدثه عن نصرة المظلومين من المسلمين والنصارى وكل البشر في أطراف الدنيا، وعن سيرة سيد الخلق في معاملة الأسير، أم تراه سيبرر له قتل متظاهرين عزّلَ إلاّ من الإباء والعزم، هل سيحدثه عن رائحة الشهادة وعِظم منزلتها عند الله تعالى، أم أنه سيقول له: اقتل من أهلك من يعارضك يا أرطغرل فهؤلاء أناس "ريحتهم وِحشة".

لو كان علي جمعة هو رفيق أرطغرل بدلا عن ابن عَربي، لالْتَمَسَ لفرسان المعبد كل الأعذار، ولساق النصوص في غير موضعها، وقام بليِّ أعناقها ووصف الصليبيين بالمعاهدين، وحرّم قتالهم للمصلحة العامّة بزعمه، علي جمعة كان سيحدث أرطغرل عن ضرورة تحديد النسل، والطلاق الشفوي، وعن عدم مشروعية الخروج عن ولي الأمر وإن كان ظالماً بل وإن كان كافرا، ولم يكن لِيُحدّثَهُ يوما عن رفقة الله للعباد في طريقهم إلى الحق، ولا عن حتمية الامتحان ولا عن عظم البلاء وجزيل العطاء.

لو كان علي جمعة بدلا عن ابن عربي، هل كان سيرافقه في رحلته بأربعين فارسا فقط؟ وهل سيقول له: "سأكون بجانبك في طريقك المبارك، ومعي أهل العلم والتجارة والصناعة"، أم أنه سيقول له إن لهذا العالم يا أرطغرل "يا ابني"، نظاما بعد الحرب العالمية، وأن الأمم المتحدة لن تسمح لنا بإنتاج الدواء والغذاء، فضلا عن السلاح؟

أم تُراه كان سيسوق كلمات الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون، ثم يتبعها بخطابات كاترين أشتون والاتحاد الأوروبي ثم سيعرج على بيانات الاتحاد الأفريقي، بل حتى تجمع دول الساحل والصحراء، كل ذلك تثبيطا للهمم، وتخذيلاً عن الحق.

أنا على يقين أن مفتي المملكة، سيحذر أرطغرل من وضعه على قوائم الإرهاب العالمي، وعن المنعِ من السفر وعن إدراج اسمه في سجلات التعقب في المطارات، وسيخبره عن عدم مشروعية هلاك النفس، وإنّ مجرد محاولة إيجاد بقعة عادلة على الأرض في هذه الظروف ستعادل الانتحار، وأنه إن مات في هذا الطريق فهذه ميتةٌ جاهلية.

ماذا لو كان محمد حسان ويونس مخيون ونادر بكار، هم رفاق أرطغرل في الطريق، وزملاؤه في الحل والترحال، وكان يتقاسم معهم الأحلام والهموم، بدلا عن تورغوت وبامسي ودوغان؟

لو كان هؤلاء رفاقا له بدلا عن أولائكم، لأقنعوا أرطغرل بأن "نويان" حاكم متغلب تجب طاعته، وأنه لا يظهر منه كفر بواح، وإن شرب الدماء وأراقها، وإِنْ كان مبعوثا لجنكيز خان، فالسياسة الشرعية تتطلب ذلك، والحنكة الدينية وسعة الاطلاع، تخبرهم بأن المغول، ليسوا أعداء لله، بل هم أصدقاء مستأمنون.

لو كان أحمد الطيب شيخ الأزهر من الناصحين لأرطغرل لكتب له قائلا: إن كثرة ترديدكم "الله أكبر" في لحظات نصركم يا أرطغرل ستلبسكم ثوب "التطرف والإرهاب"، وإن الوبال الذي سيأتي على المسلمين من تصرفاتكم غير المسؤولة وعبارتكم المتهورة إذا ما سمع العالم بها، ستكون ضررا وسيلحقكم اثمه، بل إنكم شوهتم الإسلام ولم تظهروه للعالم كما يجب أن يكون.

أما لو كان الدكتور البرادعي، بدلا عن الدكتور آرتوك، لغرّد في تويتر قائلا: أرطغرل لا يفقه في السياسة شيئا، وقد حدثته دوما عن حصولي عن جائزة نوبل من الغرب العادل، الذي يصفه أرطغرل بالعالم الكافر، فلم يسمع لي، ولو تخيلنا البابا تواضروس، بدلا عن المعلم هاشاتوريان، لكان الذهب في خبر كان يا أرطغرل، ولما رأيت من الوفاء إلا ما مثل ما يراه الضمأن في الأرض الجرداء.

والحمد لله أن ربيع المدخلي وفواز وزيد المدخلي، وبازمول ومحمد أمان الجامي، ومن على نهجهم لم يكونوا في عهد الغازي أرطغرل، وإلا لما رأوه "ثورجياً خارجياً قُطبياً حَرورياً"، أمّا محمد سعيد رسلان، فلم يكن ليسمح بمرور اسم أرطغرل أمامه دون وصلة من السباب بأقذع الألفاظ محتسباً ذلك دفاعاً عن السنة وفضحا للمخالفين.

لو كان الغازي أرطغرل في عهد حركة كفاية، 6 أبريل، حزب الدستور المصري، تحالف القوى الوطنية الليبي، حكم عيال زايد في الإمارات، ولاية الملك عبدالله في الأردن، زعامة بشار لسوريا، الجيوش الحفترية والسيساوية، تمرّد ومحمود بدر، البابا تواضروس، حزب النور المصري، أزهر أحمد الطيب، محاكم عدلي منصو، أو عقيلة صالح، لوصف بأنه "شخصٌ فظّ غليظ القلب، جافي الطبع، سيئ الخلق مدخول الضمير، يحب القتل، إرهابي، ومجرمٌ دولي".

ثم يبررون للناس ما يرون من حسن خلقه بقولهم: "أن خصاله هذه لا تبدو منه للناس، فهو ماهر عظيم المهارة، في الخداع وتغيير اللون".

لو كان أرطغرل بهذه الهمة العالية والخصال الحميدة والشجاعة الفريدة، من سكان ليبيا أو العراق أو تونس، لوصف بالداعشيّ، ولو كان من سكان مصر أو السعودية لوصف بالإخواني، ولو كان من سكان فلسطين لهدد بالحرب من حركة فتح لأنه يزعج الجار الإسرائيلي، ولو كان على حاله من عداوة الصليبيين في عهدنا، لتحصل عدوه تيتوس، على مساعدات خليجية بالمليارات، وَلَتحصل عدوه نويان على وديعة مصرفية بالملايين، وما وجد سيمون وفاسيليوس أي تعب في كسب الدعم من بني جلدته، ففي بلادنا آلاف من كورد أوغلو، وآلاف أخرى من كوجاباش وأورال.

لو كنت بيننا أيها الغازي أرطغرل لكنت بين الأجداث أو خلف القضبان، ولَقُمع مؤيدوك والمؤمنون بفكرك، وعُسكِرت قبيلتك، وانهارت دولتك، ثم ما تلبث الأفاعي أن تنتج معارضة جديدة مصطنعة، تدعي أنها تقتفي أثرك هي أبعد ما يكون منك، فاحمد الله يا أرطغرل على سنة 1191م، حمداً كثيراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.