شعار قسم مدونات

كيف بدأ الصراع؟

blogs - سماء
في البداية كان كل شيء سواء، لا أرض لا نجوم لا مجرات، سواد كسا الفضاء الواسع بلا نهاية، بعد ذلك جاءت قوة مفاجئة لتعلن عن شيء أشعلت شرارتها العظيمة، فرغت شعلتها في انفجار هائل تناثر في السماء، حول الظلمة إلى نور خاطف، شكلت موجة من الضوء قضت على الهيمنة المطلقة للظلام، غاز، غبار، وألعاب نارية من الأضواء بدأت تتصادم، صغيرة كما تبدو لكنها كانت كافية لتصنع نجوماً وشمساً وقمراً وأرضاً وحياة، كل شيء تشكل واكتمل فوقنا وحولنا، سمح لنا أن نأخذ أول شهيق كان كافياً لبدء سيطرتنا وهيمنتنا على هذه الأرض. 

وبعد ملايين وملايين السنين، بدأ صراع البقاء وانتصر النوع الذي استطاع أن يتكيف مع محيطه وظروف الحياة، وعلى نهاية هذا الطريق الذي قطع حتى الآن "وقف الإنسان" كل الأشياء من البداية اندمجت وتفاعلت مع بعضها لصالح هذا الإنسان، كل الكائنات الصغيرة التي تقاتلت في دمه وأكلت بعضها كانت من أجل صحه أفضل له، وعملت لصالحه في أعلى مستويات الانسجام "لكن اليوم" الإنسان هو الشيء الوحيد الذي لا يعمل لصالح نفسه، بل هو الآن في أعلى مستويات الطاقة والحماس لفك ارتباطاته مع نفسه ومع غيره من البشر.

نعمل بعكس كل شيء يريد أن يعمل لأجلنا ولصالحنا، نضع أنفسنا تحت كل أسباب الموت الكثيرة الموجودة أمامنا، لم يعد لدينا أمل لفعل أي شيء سوى الهرب من الحياة، كل أفعالنا وأهدافنا في الحياة اليوم هي لتحقيق الموت والفناء "حياه احتضار بانتظار الدفن".

لا نريد أي ملاءمة أو توافق مع غيرنا، بالرغم من أننا قد تعلمناه من أجدادنا الأوائل الذين تحدوا كل عوامل الطبيعة المفترسة، وهاجروا وتوسعوا بحثاً عن كينونة وأمل وبقاء واتحاد مع الآخرين، لم يتمكن الأوروبيون الذين كانوا يوما ما مختلفين في جميع المستويات والظروف العقلية والنفسية والعلمية والأخلاقية في النهوض إلا بالملاءمة والاتحاد.

أدمغتنا مهيئة لأن تشعر بالخوف، وبعدها تبدأ في التفكير، وهذه طريقة جيده للبقاء على الحياة، لأن التفكير يأخد وقتا أكثر للاستجابة من الاستجابة لغرائزنا، لأن الاستجابة للخطر والعاطفة سوف تبقى مسيطرة على إدراكنا.

هل يمكن للإنسان أن يرتفع إلى أي مستوى من الإنسانية والإبداع من غير التلاؤم؟ الملاءمة هي الوعاء الذي نتحرك فيه لنشكل أحاسيسنا وأفكارنا، ملاءمة وتوافقا مع شعوب استطاعت أن تحدد اتجاهاتنا ومهدت الطرق، جربوا كل شيء ليتغلبوا على كل شيء للوصول لكل شيء، بخطوات واسعة وسريعة فتحت للبشرية كل أنواع المعرفة، هؤلاء الذين علي أجنحتهم طرنا، وننتظر منهم كل يوم حلولا وطرقا نقضي بها على متاعبنا وآلامنا وأمراضنا، طافوا العالم وبحثوا في أحشاء الأرض والسماء وتنقلوا في أبعاد الكون، ونحن لم نعبر سوى مسافة ضيقة جدا، هي المسافة الممتدة بين ذاتنا وذواتنا، هذا أقصى ما وصلنا إليه، اعتقدنا بأننا قادرون على العيش وحدنا وبدونه.

ولكن عندما عجزنا؛ ابتكرنا انفعالات وحماسا وتحقيرا في التاريخ، تنقيباً عن عداوات وتفاهات فكرية هدفها التشويش عليهم والسب والصراخ والضجيج، صرفنا واستهلكنا كل طاقتنا في الشتم والتهديد والاتهام والعنف، اعتقدنا أن العنف هو المخرج الذي لدينا.

اليوم أمامنا خياران؛ إما أن نستفيد من التراث العلمي للبشرية الذي عندنا وعندهم ورؤية الحقيقة بكل احتمالاتها وأخطارها أو أن نبقى متخلفين وجهلة، لأن العنف والدم مصدره الجهل، والخير والسلام مصدرهما المعرفة وفقط.

التوافق معهم ليس أن نغفل أعيننا ونكذب ونستنكر، هذا عقاب لأنفسنا وذكاءنا وضميرنا، نحن بحاجة إلى أن نكون صيغة واحدة في محبتنا وتوافقنا وتوحدنا مع بعض، وأن نكون منطقا واحدا في تفسير معنى الحياة، هذه هي فرصتنا الوحيده للوقوف أمام السواد العائد بقوة، المتربص بكل أنواع الحياة التي في داخلنا، والناتج عن الخوف.

أدمغتنا مهيئة لأن تشعر بالخوف أولاً، وبعدها تبدأ في التفكير، وهذه طريقة جيده للبقاء على الحياة، لأن التفكير يأخد وقتا أكثر للاستجابة من الاستجابة لغرائزنا، ولكن لدينا مشكلة، لأن الاستجابة للخطر والعاطفة والغريزة سوف تبقى مسيطرة على إدراكنا وأذهاننا، طريقة اتصال الشبكة العصبية في أدمغتنا موصولة بطريقة تجعلنا نحس أكثر ونفكر أقل وهذه مشكلة، لأن الاعتماد أكثر على المشاعر من الحقائق، يمكن أن يؤدي إلى الخوف أكثر في مواقف ليست خطيرة، والخوف أقل في مواقف أخطر، وهذا يمكن أن يخلق فجوة في الإدراك. المشكلة هنا في الاختصارات التي يقوم بها عقلنا في بعض الأحيان، والبحث عن تفسيرات لماذا خوفنا لا يتطابق مع الحقيقة!

"يبدأ من خلال فهمنا" لكن عندما نقوم بنقل هذا المفهوم إلى الوطن والمجتمع والحضارة العربية اليوم، هل نحن قادرون على إحساس بالمخاطر التي نمر بها، مثل مقدرتنا على تقدير المخاطر البديهية مثل المخدرات والسرعة أو السرطان والأمراض الأخرى. هل نحن في كامل وعينا للتعرف على هذه المخاطر أم لم نعد مدركين مدى الخطورة والنتائج المرعبة التي تنتظرنا بسبب هذا الجهل المعرفي في تحديد هذا الخطر الذي أصبحنا نعيش نتائجه اليوم ليس فقط القادم أو المتوقع.

إذا تركنا كل إنسان لفهمه! من المؤكد أن هناك أناس سوف تفجر فهمها هذا! عرفنا كل شيء في الحياة إلا كيف نعيشها؟!

الغريب أن البعض يبحث عن كينونة جديدة ولديه الشجاعة النفسية للتغير، ولكنه لا يلاحظ أي تغير في حياته، ببساطة لأنه يفتقر إلى شجاعة النقد والتفكير والتدريب، لأن كينونتك الجديدة ووجودك القوي والجديد الذي تسعى إليه من الممكن أن يعيش ويتأقلم مع الخصائص الفكرية والنفسية القديمة التي كان يعيش عليها وجودك القديم، والخوف من مواجهة خطر التطور، مع أن هذا هو الشرط الأساسي، بأن تتقبل هذا الخطر وتواجهه بكل ما فيه من آلام فكرية ونفسية، فرارك من الفكر المنافس والمخالف هو فرارا من مواجهة نفسك، من يريد تفوقا وإبداعا وتغيرا للأفضل بدون أي نوع من المواجهة هو من يريد الحياة بدون مغامرة ويبحث عن خلطات سحرية تغيره وتغير العالم من حوله، والطريقة الوحيدة للقضاء على كل مخاوفك وكل ما يتصارع في داخلك هو أن تحافظ على نصيبك من الخطر بكل شجاعة لتعرف الخطر وتفهمه..

لأن ما يمتلكه الإنسان من ثقافة هو عبارة عن تلفيقات وبدع جماعية، مجموعة معتقدات حول طبيعة الواقع ساعدتنا أن نقدر على التعامل مع حقيقة الخوف من الموت، لذلك نحن نرى الارتباط الديني لدى الإنسان من خلال معتقده الخالد الذي سوف يُخلده معه، من الفراعنة إلى يومنا هذا، حيث فكرة الروح الخالدة سيطرت عليه ومنحته هذا الشعور من الأمان وخففت من ألمه وتوتره. الحياه تفقد معناها في اللحظة التي نفقد فيها وهم كوننا خالدون، ومع كل تجاربنا وتاريخنا مع الموت لم نقدر أن نحل هذه المعضله، أن نتفوق على الموت جسدياً!

وهنا انتقلنا إلى المستوى الرمزي والروحاني والأدبي والثقافي، ومن هذه اللحظة بدأت الناس بالاعتناء أكثر بمعتقداتها والرموز التي تحملها هذه المعتقدات على حساب الجسد نفسه، ومن هنا بدأ موضوع الأشكال والصراع بين الأديان والمعتقدات المختلفة على مر التاريخ المأساوي حتى يومنا هذا، وهو السعي وراء الأبدية والخلود الذي بدأ وتحول إلى غضب من أجل بقائي وبقاء رموزي التي سوف تؤمن لي الخلود، وكيف أظل أكثر خلوداً من غيري من خلال وقوفي ومواجهتي للآخر، وإذا لم أقدر أن أعُبر من خلال الرياضة والعمل وأي شيء آخر، وإذا لم يكن متوفرا لدينا الإمكانات والفرص وقتها سوف أعُبر عن هذه المواجهة من خلال العنف، لذلك المناهج الدينية والثقافية والتربوية والاجتماعية اليوم لا بد أن توجه مسأله الخلود بوعي وفهم أعمق لأنها مسأله معقدة، وإذا تركنا كل إنسان لفهمه! من المؤكد أن هناك أناس سوف تفجر فهمها هذا! عرفنا كل شيء في الحياة إلا كيف نعيشها؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.