الفلامنغو ملحمة الموت والحياة، صوت الثورة المبحوح والمتأجج من الأعماق في آن، ولغة المضطهدين والعاشقين على حد سواء، والرقصة التي مثلت اتحاد لغات البشر على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم، حيث مثلت اسبانيا بيئتها الخصبة لكنها لم تكن منبعها بالمطلق.
 
يقال أن الفلامنغو ولدت مع الغجر الذين كانوا ينتمون لقبائل "الجاتس" في شمال الهند، ثم هاجروا بداية إلى مصر وإيران وإلى شواطيء البحر الأسود، ثم طافوا أوروبا إلى أن استقروا باسبانيا في القرن الثامن عشر، ومع تمسك الغجر بنمط حياتهم الخاص، وتعرضوا للمطاردات والانتهاكات من الحكومات والكنائس، وسنّت ضدهم أقسى أنواع الاضطهاد، فكان الغناء والرقص ملجأ قلوبهم العطشى للحرية.

شيء ما شدني إلى الغجر بالرغم من كل تحفظات الشعوب عليهم، لربما يتعلق ذلك بمدى قوة مقاومتهم لكل اختراقات الهوية التي يمكن أن يتعرض لها البشر بمدى عشقهم لهذه الهوية وتصالحهم معها.

أما عن الفلامنغو فقد أعلنت عن نفسها في القرن الثامن عشر أيضا لكنها لم تقف عند حدود اضطهاد الغجر مع تفاقم بؤس البشرية، فحزن الموريسكيين واليهود وعمق جرح حناجرهم امتزج مع ألحان الفلامنغو مذ أصدر الملك الكاثوليكي فريدناندو، والملكة ايزابيلا قرارا يحتم على كل من يعيش في اسبانيا أن يغير ديانته للمسيحية ويتخلى عن كل ما يتعلق بهويته الحقيقية.

وبدأت ملحمة الفلامنغو بكل تجليات مقاومة الإنسان المضطهد الثائر المتمرد تظهر كمزيج حزن مجنون ساحر وتحكي مع هجراتها وألحانها وصرخاتها تاريخا مورس ضده شتى أنواع التنكيل.
 
فعلى طريقة الفلامنغو يا صديق، أعلن ثورة جرحك من الأعماق كعمق غناء الحناجر الصادحة بها، وعلى طريقة الفلامنغو افتح قلبك لبؤس البشر على اختلاف أجناسهم واتحد مع أصواتهم بتناسق أخاذ، لا ينشق عن هارموني موسيقى الفلامنغو، لكن كن أنت أنت، بجنونك وصدقك، قاوم ما يمكن أن ينتزع روحك من جذورها.

و على طريقة رقصة الفلامنغو يا رفيق، إضرب بقدمك الأرض، وابتسم، صفق لمنتهكي البشرية وأنت ترمقهم بنظرة خاطفة تعلن فيها عن ثورتك، وارفع يديك على امتداد جسدك وروحك مستمتعا بلحظة تطهرك.

لحظة امتنانك لكل اضطهادات التاريخ التي جعلت من قلبك حرا متصلا بالسماء، استمع لموسيقى فلامنغو الآن و أعلن تحررك.