شعار قسم مدونات

تعريب الطب قضية يجب ألا تهدأ

blogs-doctor
هذا العنوان رأيته في إحدى المقالات وأنا على أعتاب دخول كلية الطب في عام 2013 م ووجدت أن الوقت مناسب لطرحه مع افتتاح المؤتمر الدولي لمجمع اللغة العربية بالقاهرة دورته ال82 يوم أمس الإثنين الـ24 من نيسان/إبريل، وهنا أسرد تجربتي الخاصة مع العنوان، صدمت من هذا العنوان، وأن يكون الكاتب طبيب عربي أيضا، وإن كانت السذاجة أخذتني في بداية الأمر والاستخفاف بهذا الطبيب الذي لا يعرف ماذا يقول فدخلت المعمعة ووجدت ما تحدث عنه، فوجدت نفسي أقف متحيرا متسائلا:

لم اللغة الأجنبية في التعليم، ونحن عرب نتحدث مع الجميع ممن حولنا بالعربية، وبالطبع المرضى، حتى مع الأساتذة خارج قاعات الدراسة بالعربية، ولكن متى ندخل قاعة الدرس ينفصل كلا منا عن الواقع الذي يعيشونه خارجها، ويبدأ في عملية التخيل الممقوتة والمتابعة المضنية الشاقة لحديث الأستاذ الذي يبذل أيضا مجهودا مضنيا في التوضيح والتفسير والإيجاز، وإلى أن يأخذه العناء فيقولها بالعربية. 

أتعجب أن ينشئ محمد على باشا أول مدرسة للطب في العالم العربي باللغة العربية، و بمشورة من الطبيب الشاب "أنطوان كلوت بك" الذي استقدمه طبيبا خاصا للجيش، وكان من رأي محمد علي أن يستقدم أطباء أوروبيين معاونين لكلوت بك لخدمة الجيش المصري، فعرض عليه أن ينشئ مدرسة لتعليم الطب لأبناء البلاد، لأنه من الصعب أن يحدث تواصل بين الأوروبيين والجيش العربي والتركي.

أما الآن في مصر وبالرغم من استخدام اللغة الإنجليزية كلغة الطب الرسمية في البلاد  فكانت النتيجة أن كلية طب القصر العيني لا تحتل مركزا مرموقا بين كليات العالم، بل نحن من أسوأ لأسوأ.

ولكن ظهرت مشكلة الكتب والأبحاث العلمية، فكلها باللغة الفرنسية، فما الحل؟ أتعلم المصريين باللغة الاجنبية؟  فما الاختلاف إذا إذا استقدمت أطباء من أوروبا؟ فالمشكلة مازالت قائمة، وهي التواصل،  فالطلاب إذا كانوا عربا فيجب أن يتعلموا بالعربية؛ لأنهم سيعالجون عربا مثلهم، فكان رد كلوت بك الفرنسي ردا لم يعقله معلمونا العرب إلى الوقت الراهن عن  أن تعليم الطب بالأجنبية لا تحصل منه الفائدة المنشودة لأنه لا يتيح توطين العلم أو تعميم نفعه.

فكان الحل أن يتم التعريب فظهر أنه لا أحد من المصريين يعلم الفرنسية، فاستقدموا من الشام من يعلم اللغات الاجنبية لغرض الترجمة، ومن دلائل عظمة شخص كلوت بك ما قاله عن ضرورة التعريب فقد كان على حق، إذ أن تعليم العلم بالأجنبية يحتكره على من يتعلم هذه اللغة من أهل البلد فينشئ أزمة انفصال في شخصية الطبيب الذي يتعلم بالأجنبية ويتحدث مع مريضة بالعربية.

وقد وضع نظاما صريحا ومجديا للثمار في وقت طال أو قصر، ولكنه لم يطل، فأرسل بعثات إلى فرنسا لهؤلاء الخريجين الجدد، فسافروا، وترجم كل من الإثني عشر خريجا، كتابا في الطب كشرط من شروط تعيينه في الخدمة الطبية المصرية، ويعني هذا أن هؤلاء الطلبة خريجي الأزهر ومن بعده مدرسة الطب،  قد تعلموا الفرنسية أثناء دراستهم، وبهذا قد توافر لدى مكتبة المدرسة الطبية كل ما توصل إليه العلم في أوروبا في شتى فروع الطب باللغة العربية.

رحم الله كلوت بك الذي رأى، فعمق النظر فأحسن الصنع، فظهرت نتيجة كل هذا في إنشاء مصر أول برنامج قومي للتطعيم ضد الجدري في العالم، وبهذا يكون قد تحقق أهداف مدرسة الطب، وهي تعريب هذا العلم، والقضاء على الأوبئة، فاستحق كلوت بك لقب البكوية من محمد علي باشا.

أما الآن في مصر وبالرغم من استخدام اللغة الإنجليزية كلغة الطب الرسمية في البلاد واعتماد مناهج أكسفورد في التعليم كنتيجة، وللأسف يرى المسؤولون والأساتذة أن الغرب أكثر تطورا، ولذلك فنحن على أثره مقتدون حتى يأتي من الله الفرج ونتطور مثلهم، فكانت النتيجة أن كلية طب القصر العيني  لا تحتل مركزا مرموقا بين كليات العالم، بل نحن من أسوأ لأسوأ، رحم الله كلوت بك، ولو عاش وأمد في عمره 100 سنة أخرى لمات غما على ما ضاع من جهده!

فلنعد إلى القرن التاسع عشر لنرى المدرسة الطبية ببيروت والتي تنتقل إلى دمشق تعلم العربية منذ1919 م، والجامعة الأمريكية في بيروت كذلك تعلم الطب والصيدلة باللغة العربية لمدة 15 عام. ليبدأ المغرب العربي ثورته التعريبية مناهضا للفرنسيين الذين حاولوا فرض ثقافتهم ولغتهم على هذا الجزء الغالي من العالم الإسلامي. 

أرسلت بعثات إلى فرنسا لهؤلاء الخريجين الجدد، فسافروا، وترجم كل من الإثني عشر خريجا، كتابا في الطب كشرط من شروط تعيينه في الخدمة الطبية المصرية.

سؤالي هنا، ماذا وجد العرب في اللغات الأجنبية ولم يجدوه في العربية؟ لماذا اليابان لم تفعل مثلنا، فقد بدأت من الصفر مثلنا، وكلنا يعرف أن اليابانيين ليسوا من أحفاد أثينا ولا روما، ولم يعهدوا كتابة لغتهم بالحروف اللاتينية، فكان ما فعلوه أن تري الياباني معتز بثقافته وسط التغريب العارم لكل دول العالم، ترى الكيمونو في الشارع حتى وقت قريب، ورئيس الوزراء الياباني ينحني ويطلب من الشعب احترام واجلال الإمبراطور باعتباره إله السماء على الأرض، ولوعاش أتاتورك ورأى اليابان، لقصد إلى أقرب سلاح  وضرب بها يده – إن لم تكن رأسه – التي وقعت على تحويل حروف اللغة التركية من العربية إلى اللاتينية في أقل تقدير لأعماله العلمانية، التي غربت والغت إرثا حضاريا لأمة إسلامية عظيمة!

ماذا كانت تنتظر اليابان التي تئن من الزلازل و موجات تسونامي المتكررة من الغرب الآمن الوديع لحل هذة المشكلات القومية التي تهدد حياة ملايين من مواطنيها؟ لا شيء! فوضعت هي الحل، وكان ناجحا لأنه نشاء من رحم المعاناة ذاتها.

فتطور الغرب لن يفيدنا في شيء كما حدث مع اليابان، بل سيزيد من توريطنا في مزيد من المشاكل التي نفتقر لسبل حلها مادمنا نعمل عقولهم هم ولغتهم هم. وأخيرا مشاكلنا تحل بتطورنا نحن، ولم يسجل التاريخ حضارة قامت باستعارة لغة حضارة أخرى، ولماذا نشذ – نحن العرب – عن سكان الأرض؟ فكل دول العالم تستخدم لغتها في التعليم،  فإيران وتركيا وإسرائيل وكوريا الجنوبية ورومانيا، كلها دول ذات طابع محلي، لا تتعدى لغتها حدودها، وسكان أكبر بلد فيها 100 مليون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.