شعار قسم مدونات

الظلم وتخريب المنطق (1)

blogs - gaza

يعيش الناس الحياة في حالة تدافع، أخذ ورد، وهذا التدافع ناتج عن سعي كل إنسان لمنفعته، خلال هذا الطريق قد يصدر من الإنسان تجاوزات وأخطاء في حق نفسه أو الآخرين، ويصدر من الآخرين ردات فعل، ثم قد ينشأ سوء تفاهم، وقد يُحل سوء التفاهم أو لا يُحل، وهذه هي الحياة.
 

أريد أن أركز هنا على ما يحدث بعد أن يقع الظلم، أي على الأفعال الظالمة التي ينتهجها الظالم نتيجة ردود فعل المظلوم حين محاولة دفعه للتجاوز الذي حصل، وضد من يحاول أخذ الحق، مع التنويه أن التدافع بين البشر لا يحصل فقط بين أطراف متساويين في القوة، بل يحصل بين أطراف متباينة في القوى (رجل ذا تعليم أكاديمي وآخر بلا تعليم، أخ أكبر مع أخيه الأصغر، والدين مع أولادهم، حتى دولة مع شعب) وهكذا يصبح الأمر أكثر تعقيداً، إذ أن توجه الإنسان إلى القوة (كالتعليم، المنصب الوظيفي أو الاجتماعي، المال) وانبهاره بها يعميه عن الحق ويعتقد أن الحق تابع لها وبالتالي يظن بأن الطرف الأقوى أحق بالضرورة وهذا ليس صحيحاً، فليس الحق تابعاً للقوة، وإنما يستمد قيمته النبيلة من أن القوة والأحداث يجب أن تكون تابعة له.
 

الظالم يرتكز في رغبته لكبح ردة فعل من تجاوز عليه وكبح دفاعاته على ركيزتين:

الظالم يوهم المظلومين بأنه يشعر بإحساسهم وبحاجاتهم وكأنه يعرف ماذا يفعل، وما تجاوزه من حدود ليس رغبة في الأذية أو التطاول، إنما حكمت الظروف بذلك، ويتعاطف معهم وسيقوم بتعويضهم.

1- الفكرة: أنه يعتقد في نفسه القوة المطلقة والحق المطلق والتي هي صفات للرب، وما يتلو هذه القوة من قدرة على النفع والضر، المنح والمنع، العظمة والكبرياء، وورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّار) وفي معنى الكبرياء: أنه لا يرى لأحد عليه حق، والعظمة: استقلال واستغناءٌ عن الغير.
 

2- النهج العام: التذبذب، وهو تذبذب السلوك وليس الغاية إذ أنه يوهم الآخرين بالعشوائية إلا أن ظلمه يكون ممنهجاً ومخططاً له، والتذبذب هو الانتقال من رأي إلى آخر دون أن تكون هذه الآراء مقصودة لعينها ودون أن تنقل الإنسان من وسط إلى آخر (وبالتالي إلى نتيجة) كحركة البندول، والمقصود من هذا التذبذب أن يلغي الثبات والاستقرار، إذ أن الثبات والاستقرار يوضح الرؤية أما الحركة المستمرة فإنها تشوش رؤية الوضع العام وبالتالي تمنع من كفاءة اتخاذ القرارات. (هذا التذبذب ليس المقصود به حركة الأمواج، وليس كتخطيط دقات القلب، وليس كما تحتاج الحياة في كثير من المواقف إلى شد للحبل وإرخائه، وما يميزه بقاءه في وسط لا يتغير ولا ينتج نتيجة).
 

بالاعتماد على هاتين الركيزتين تظهر أساليب أو خصال عند الظالم لسحب دفاعات الآخر، منشأهم الفكرة التي ذكرتها، ويحصل على النتائج المرجوة من هذه الأساليب بالاعتماد على ركيزة النهج العام وهذه الأساليب هي:

1- التخويف وخلق الآمال الباطلة: يستخدم هذا الأسلوب عند الرغبة في عدم منح ما هو حق للآخر، وفي تخفيف اندفاع المظلوم ضد الظلم، بأنه سيحصل على حقه بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب، وإيهامه أن هذا الاندفاع ناتج عن التصور الخاطئ لمآلات الأمر وأن هذا الاندفاع سوف يكلفهم ويجعل الأمور أسوأ، وأن ما يحدث الآن من ظلم إنما هو فاتحة الخير الكثير، وأن الأمل موجود لكن اندفاع المظلوم هو ما يعميه!
 

2- إقناع المظلوم أنه عاجز: وهذا يعني أن القوة له ولا قوة للآخر، وليس له حل ولا مخرج إلا بقبول ظلم الظالم عليه، والتمسك بالظالم إذ لا غنى للمظلومين عنه.
 

3- الظالم يوهم المظلومين بأنه يشعر بإحساسهم وبحاجاتهم: هو يعرف ماذا يفعل، وما تجاوزه من حدود ليس رغبة في الأذية أو التطاول، إنما حكمت الظروف بذلك، ويتعاطف معهم وسيقوم بتعويضهم.
 

4- إعلام المظلومين بضرورة التخلي عن المظالم: فليس هنالك حق للآخر أبداً، إنما هي مشاعر يصطنعها وعليه أن يوقفها، وحقوق يعتقد أنها له وليست بذلك، هنا يتبجح الظالم ويدعو الناس إلى انتهاج العدل والتخلي عن المطالب.

يتبع…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.