شعار قسم مدونات

أمتنا بين الموجود والمنشود

blogs - ناس في الشارع
الذهن، الفكر، العقل، النفس… لدى الإنسان العربي كلها مشوشة فاقدة للتركيز والتوازن والفاعلية على مستوى الذات أو المجتمع، ليس لنقص خصه به الخالق، بل لغوغائية في حياته ورعونة وعشوائية تربيته من جهة، وانعدام ثقته واهتمامه بذاته التي خُلق عليها، وليست الذات الهجينة التي أسقطها عليه بادئ ذي بدء مربوه غير الأكفاء، المتنصلين من الثوابت العقائدية الصحيحة والتي ينجرّ عنها خللاً ولتركيبة مجتمعه الفاقد لهويته ومصداقيته داخلاً وخارجاً، والذي صارت تتجسد فيه العاهات والنقائص والظواهر المرضية التي تعوق النمو الفردي والجماعي عامةً وبصورة طبيعية.

ولكن قد يطالعنا في النهاية سبب جوهري آخر لهذه العرقلة؛ ألا وهي العلاقة العمودية الجاثمة بين الرعية والراعي، فلا هي تسعى لإصلاح حالها وتقويم عودها أو مساندة من يسعى لإصلاحها، علها تخشى القيمة المقابلة لذلك أو تكلفة ذاك الإصلاح بتعبير أدق، ولا الراعي يسير المسافة المطلوبة ليبلغ موقع رعيته وينظر إليها من خلال وحي السماء ومصلحة العامة، لا من خلال ذاته المتورمة وبصيرته العمياء الضالة والمضلّة، ولو دققنا النظر في عواقب وارتدادات ثضخم ذات وذوات الحاكم ومن يلف في دائرته وفسادها، لجاز لنا أن نمسك بالمبضع لنستأصل سبب الداء فينا، ولنوظف جهودنا لبناء مرحلة النقاهة، فنمسك بأول الخيط ونرى معالم الدرب ونتجه اتجاهاً موضوعياً بناءً.

علنا نصل يوماً للعافية التي نطمح إليها ونتمتع بسلامة الفكر والنفس من جديد كحال أسلافنا الأخيار، فنسعى آنئذ بالوسائل المتاحة في إمكاناتنا وقدراتنا، وما أكثرها والحمد لله، وبثمار التحضر الآدمي لا التحضر الحيواني الذي يدفعون الأجيال إليه، نسعى لنشكل المدّ الطبيعي الواعي البناء لأولئك السلف الذي فاح عبقه عبر الأزمان، فتحدث المصالحة التي تضمن لنا سعياً موفقاً ومسيرة سليمة نحو التحضر الفعلي الحقيقي، ولا نتوه في سراب خداع يستنفذ طاقاتنا ويلغي طموحاتنا.

نقول بأن دوام الحال من المحال لذا فعلينا نبذ الاستسلام وطرد الإحباط وأشكال الخوف والوهم وأن نتسلح بالإرادة الصادقة للخلاص وأن نتحلى بقوة العزيمة والثبات.

لكن من يضمر لنا العداء حتى لا ننهض ولا نستدل ولا نعلو، سمم تلك المسيرة الأم ولوث عبقها بأحقاده في تاريخ أمتنا، حيث قزّم حجم أجدادنا الأبطال في إنجازاتهم ونزاهتهم، ويسعى جاهداً ليقزّم عزمنا ويجعل آمالنا من ضرب المستحيل، وهو يقدمنا للعالم كوحوش بشرية غير قابلة للمخالطة أو الإنجاز؛ بل ويستعين علينا بأعتى الطغاة في مشروع لإبادتنا عبر مخطط زمني هم يحددون الأجلية فيه عن بكرة أبينا، وكم يسعدهم أن نتوه ونبقى في الشتات في موقع وسط بين الحياة والموت، لا عارفين ولا معروفين بل شعث غبر منبوذين ناقمين، كي يجافينا العالم بأسره فتسهل المهمة ويتعاونون على نحرنا، ولن تفتر لهم عزيمة ليحققوا ذلك فيأمنوا منا ارتدادنا على حقوقنا وخيراتنا المسلوبة لنفتكها من بين ناجزيهم، فهم يحبون ما يقنصون منا ويتبارزون في استغلالنا، ويكرهون هويتنا في نفس الوقت، ودون كثير من النباهة أو التمعن نعرف سرّ كراهتهم هذه ومقتهم لنا.

ومن الطبيعي ألا نسأم في البحث عن المسببات بعين الموضوعية والحرص والجدية لا سمح الله، لأننا نطلب رضاءهم وهنا يحضرني قول الله عز وجل "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" بل لندرك عمق المشكلة التي نحن بصدد معالجتها ونرى بموضوعية كاملة مدى قابلية حلها والوسائل الناجعة في هذا الصدد، لكن لسان حالنا يقول:  وكيف بنا أن نمتلك تلك الأدوات والوسائط اللازمة ونحن في عنق الزجاجة وهم يمتلكون زجنا بها كلما حاولنا النجاة، والشواهد كثيرة وواضحة مثل الشمس في صيفنا القاحل، وما اضطهاد أصوات النخبة الواعية أو الفطنة أو الحرّة لدينا إلا أكبر دليل على نيتهم المبيتة في قمعنا وعدم السماح لنا بالمرور إلى حياة كريمة هانئة وتجاوز مرحلة الاختناق إلى مرحلة العافية والانفراج.
فما نحن فاعلين؟ وهنا نقول بأن دوام الحال من المحال لذا فعلينا نبذ الاستسلام وطرد الإحباط وأشكال الخوف والوهم وأن نتسلح بالإرادة الصادقة للخلاص وأن نتحلى بقوة العزيمة والثبات لمجالدة الصعاب والمكاره، فنمهد لهذا التغيير الذي نطمح إليه والذي تفرضه الضرورة الحتمية في معركة البقاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.