شعار قسم مدونات

هل اللغة العربية هي أفضل لغات العالم؟

blogs - quran
هل نزل القرآن الكريم بالعربية لأنها لغة قريش والعرب الذين بعث فيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
أم أن الله اختار النبي الخاتم عربيًا لأن اللغة العربية هي الأفضل بين جميع اللغات، ومن ثم كان من الضروري أن تكون الرسالة لنبي يتحدث هذه اللغة وينزل القرآن بها؟ أم أن نزول القرآن باللغة العربية ليس له علاقة له بتفوق ذاتي أو خصائص كامنة فيها تميزها أو تفضلها عن غيرها؟
 

ولتقريب السؤال: لو افترضنا أن الصينية حينها كانت هي اللغة الأفضل في المفردات والقواعد آنذاك، هل كان الله سبحانه وتعالى سيختار النبي الخاتم صينيًا وينزل القرآن بالصينية؟ أم أن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن تكون الرسالة الأخيرة للبشرية في شبه جزيرة العرب بحكم الموقع الجغرافي المتوسط في العالم القديم ووجود الكعبة في مكة؟
 

هذه أسئلة لا يستطيع ولن يستطيع أحد أن يجيب عليها لأنها ببساطة في علم الله وحكمته.. لكننا على يقين من أن الله القادر على كل شيء يقدر على أن ينزل القرآن بأي لغة يشاء بالمستوى نفسه من الإعجاز والبلاغة والفصاحة والبيان. فلو كان الرسول عليه الصلاة والسلام صينيًا كان القرآن سينزل بالصينية وكان سيكون معجزًا وبليغًا بالإضافة إلى الحكمة والهدي والتشريع. وهناك دليل من القرآن على ذلك "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ". (فصلت: 44).
 

لو كان القرآن لم ينزل بالعربية، ماذا كان سيصبح مصيرها؟ لن نقول إنها كانت ستندثر ولكن مصيرها في نهاية الأمر لن يختلف كثيرًا عن لغات أخرى اقتصرت على شعوبها، وبالطبع كانت ستصبح لغة الجزيرة العربية فقط أو مناطق معينة.

لك أن تتخيل يا مؤمن لو كنت مسلمًا عربيًا وكان القرآن قد نزل بالصينية وكنت مطالبًا بحفظه وتلاوته في كل صلاة الأمر الذي كان يحتم عليك تعلم الصينية وحفظ القرآن بها! يجب أن نتدبر هذا الأمر جيدًا لنتفهم معاناة المسلمين من غير العرب. ولكن اعتبار اللغة العربية الأثرى والأجمل لا يمكن الجزم به فلسنا نعرف جميع لغات العالم.. الله وحده يعلم ذلك فليس لبشري أن يحيط علمًا بجميع لغات العالم. فربما كانت لغة قبيلة في قلب الأحراش بأفريقيا أفضل في خصائصها اللغوية من العربية لكن شعبها لم ينل حظه من الحضارة والعمران، فلم يكتب للغته الاتساع والانتشار ولم يسمع بها أحد.
 

كمترجم قضى آخر عشرين عامًا من عمره في ممارسة الترجمة والصحافة والكتابة في مجال العلوم والتكنولوجيا، أصادف كثيرًا تعبيرات في اللغة الإنجليزية وأسماء لمنتجات لا أستطيع أن أترجمها في العربية بدقة لعدم وجود مقابل لها في العربية.. فنضطر إلى ترجمتها حرفيًا أو ترجمتها صوتيًا والعكس صحيح من العربية للإنجليزية، وهي ظاهرة موجودة بين كل اللغات، فأي لغة هي نتاج أفكار وثقافات ومعارف وعلوم ومنتجات عرفها شعب -أو مجموعة من الشعوب- فالتفاوت بين اللغات يرجع للتفاوت في هذه الثقافات والمعارف والعلوم بجانب التفاوت في الحضارة والتمدن ورقي الفكر العقلي الناتج عن الفلسفة والأديان، وليس أصله لخصائص فريدة أو إمكانيات التفوق الذاتي الكامنة في لغة عن لغة أخرى. ولو كان القرآن نزل بالإنجليزية وكان مهبط الوحي في إنجلترا على سبيل المثال، كنا سنتحير في ترجمة مصطلحات الطواف والوضوء والزكاة والحج من اللغة الإنجليزية للغة العربية وكنا في الغالب سنحولها إلى العربية بنفس منطوقها مثل الكمبيوتر والتليفزيون والتليفون والإنترنت والديمقراطية والبرلمان وغيرها من الألفاظ التي نقلناها من لغاتها كما هي.

ثمة تشابه بين الإنجليزية والعربية، فكلتاهما كتب لها الانتشار في جميع أنحاء العالم في ظروف تاريخية متباينة، فالعربية انتشرت بانتشار رقعة الدولة الإسلامية والفتوح الإسلامية وكان عليها أن تتطور لتستوعب الآخرين.. ولم يكن ذلك اختيارًا بل كان أمرًا حتميًا أقرب لحتمية التفاعلات الكيميائية التي لا نستطيع معها حيلة ولا سبيلًا.. كذلك الإنجليزية والفرنسية معها- انتشرت بانتشار الاحتلال الإنجليزي في إفريقيا وآسيا وأمريكا الشمالية وأستراليا. ولهذا تنوعت الإنجليزية واكتسبت ثراءً مدهشًا -حتميًا- فهي لغة عشرات الشعوب التي تتباين في حضارتها وعلومها وعمرانها وتقدمها وثقافتها وفكرها العقلي، من أستراليا إلى الولايات المتحدة إلى كندا إلى بريطانيا إلى الهند إلى عشرات الدول في أفريقيا مثل نيجيريا وكينيا.
 

لولا القرآن لما أصبحت العربية يومًا ما اللغة الأولى للفكر والثقافة والعلم والأدب ولما تسابق خيرة شباب أوروبا يومًا ما من أجل تعلمها!

حتى يستطيع أحد أن يجزم بأن لغته هي الأفضل يجب عليه أن يتعلم اللغات كلها، وأنى لبشر أن يحيط علمًا بجميع لغات الشعوب، الحية منها والميتة، الدولية منها والمحلية، الحديثة منها والقديمة. فثراء اللغة -أي لغة- هو نتيجة حتمية لتقدم أهلها ونمو فكرهم العقلي والروحي وانتشار الرقعة الجغرافية التي يعيشون فيها والتنوع في أحوالهم وظروفهم، وهذا الثراء يزيد وينقص بمقدار ازدهار أهلها أو اضمحلالهم.

هناك أمر يجب أن نقطع به على وجه اليقين والجزم وهي أنه ما من لغة في العالم احتفظت بخصائصها اللغوية طوال 1500 عام سوى العربية، ولم يكن ممكناً البتة بأي سبيل لولا نزول القرآن الكريم بها. انظر إلى الإنجليزية في القرن التاسع عشر في مؤلفات ديكنز والصحف الصادرة آنذاك وانظر إلى لغة الصحف والروايات الإنجليزية اليوم، ولن أقول لك ارجع إلى لغة شكسبير في القرن السابع عشر فهي لغة أشبه بالميتة مثل اللاتينية فلا يستطيع أحد أن يفهمها -حتى من أهل بريطانيا- دون قاموس أو تفسير باللغة المعاصرة.

هذا الاختلاف الكبير في الإنجليزية على مستوى الحروف والتراكيب يرجع لعدم وجود كتاب سماوي مثل القرآن الكريم يربط خيوط اللغة ويشدها له حتى لا تنفتل، ويرجع كذلك لأن الإنجليزية كان عليها أن تتطور لمواكبة الازدهار البريطاني ومستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس وبحكم تطور التقنيات والاختراعات والعلوم الحديثة.
 

لك أن تتخيل لو كان القرآن لم ينزل بالعربية، ماذا كان سيصبح مصيرها؟ لن نقول إنها كانت ستندثر ولكن مصيرها في نهاية الأمر لن يختلف كثيرًا عن لغات أخرى اقتصرت على شعوبها، وبالطبع كانت ستصبح لغة الجزيرة العربية فقط أو مناطق معينة. ومن المؤكد أيضًا أن اللغة العربية في الوقت الحالي كانت ستختلف اختلافًا كبيرًا وربما كليًا عن صورتها قبل مائتي عام ناهيك عن ألف سنة.
 

في النهاية، لنا أن نفخر باللغة العربية، ويجب أن نحمد الله على أننا عرب، وعلى أن لغتنا الأم هي العربية، ونحمد الله على أن القرآن نزل باللغة العربية التي هي لغتنا الأم التي نستطيع أن نقرأها ونكتبها بسهولة. يجب أن نعتز باللغة العربية لأنها نالت شرف نزول القرآن بها، ولولا القرآن لما أصبحت يومًا ما اللغة الأولى للفكر والثقافة والعلم والأدب ولما تسابق خيرة شباب أوروبا يومًا ما من أجل تعلمها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.