شعار قسم مدونات

لا تطالبوا من لا يملك ما لا يملك!

blogs - somal

هلّل الجميع وبارك في انتخاب الأمريكي من أصول صومالية محمد عبد الله محمد "فرماجو" لرئاسة الصومال، ذلك البلد العربي الأفريقي الذي لم يزل أبناؤه في حلم تحقيق الأمن والسلام طوال عقود من الزمان في دوامة من العنف والفوضى، وهو حلم كلما تراءى في الأفق تلاشى في أروقة السياسة وأطماع السياسيين.
 

لقد حقق الرئيس "فرماجو" رقما قياسياً في حشد أنصار ومؤيدين له خارج وداخل البلاد، ولعل المظاهرات التي خرجت بعضها عفوية بعيد انتخابه ابتهاجاً بتتويجه على عرش القصر الرئاسي، لعله خير شاهد لذلك. فالرجل وإن سبق له إسهام في النظام بالبلاد إلا أنه تميز عن سائر السياسيين بأمور جعلته يشار إليه بالبنان ويذكر باللسان، افتخر بالقومية والوطنية في حين كان أقرانه لا يبالون، نادى بالجيش الوطني وتكفل رواتبهم التي شدد على أنها ليست "هدية" بل حقوق وطنية، حسب ما قال في حملته الانتخابية.
 

منذ التسعينات كان الأمن والسلام ضالة كل مواطن صومالي أينما كان ومن أجل ذلك صار إحلال الأمن والسلام عصا يستخدمها كل من له مصلحة في الصومال وله مآرب أخرى.

ويرى البعض أن الرئيس "فرماجو" الذي رضع من لبان سياسة أمريكا حيث عمل موظفاً حكومياً في نيويورك لمدة طويلة، بارعٌ في الخطب السياسية الرنانة لدغدغة مشاعر البسطاء وتأتي معظم تلك الخطب على شكل وعود ليس فيها فعلُ أمرٍ ولا فعلُ ماضٍ لكن سين فعل المضارع قد تسيطر على بدايات كل فقرة من كلمات تلك الخطب، قائلة: سنفعل، سنسعى، سنحقق، سنضمن… إلى ذلك من أفعال الاستحسان.
 

وكما قيل: "أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.. فطالما استعبد الإنسان إحسان"، لكن الإحسان إلى القلوب وحده لا يغني في حالة مثل الصومال حيث الخوف والهلع، والجوع والفزع، وأجانب تسوس البلاد وتجوس خلال الديار، فلم يسلم حتى الدين ناهيك عن الدنيا. والحقيقة أن واقعاً كهذا لا يسعفه التسويف وهناك مثل شعبي صومالي شهير يأتي بما معناه "لا يجدي الكلام وقت الفاقة" أي لا ينفع الكلام في موطن يُراد منك الفعل فتمد يد العون إلى المحتاج، ولعل هذا المثل يطارد الرئيس "فرماجو" فيسأله عن أفعاله قبل أقواله!
 

شعار "السلام والحياة" الذي رافق حملة "فرماجو" الانتخابية يحتاج أن يجد ترجمة على أرض الواقع، ولا تتنازع عنزتان على حقيقة أن داء أهل الصومال يكمن في غياب هاتين: السلام الذي في ظله تعود الحياة الرغيدة لأهل الصومال. فكل من يفكر في أصل الخراب فعليه أن يضع ملاحظاته على القادة السياسيين ومنهم الرئيس الحالي "فرماجو" الذي قال في مقابلة سابقة مع صحيفة أمريكية أنه يقاتل في مقديشو دفاعاً عن نيويورك!
 

الحقيقة الأولى: أن خراب الصومال بسبب الحكومات والسلطات منذ عهد النظام الشيوعي برئاسة محمد سياد بري حتى النظام الفيدرالي القائم حالياً، وقد كان خرابهم للبلاد إما على أيديهم كما كان سابقاً أو على أيدي غيرهم كما هو الحال في أيامنا.
 

الحقيقة الثانية: أن الصومال بلد منتهك السيادة ولا يعرف لحدوده موضع بداية أو نهاية، فتسرح إثيوبيا حيث شاءت من الغرب وتمرح كينيا حيث اشتهت من الجنوب حتى صارت أراضي صومالية ضمن حدود تلك الدولتين دون أدنى مسائلة ومحاسبة.

لعل الأخطر من ذلك مئات الجنود من تلك الدولتين المنتشرين داخل الصومال ولا تخفي حكومات بلادهم أن تواجد تلك القوات في الصومال بسبب حماية مصالح بلادهم بالدرجة الأولى ثم تأتي مهمة إحلال السلام وبعثة الاتحاد الإفريقي بالدرجة الثانية. فكل من يفكر في أصل الخراب فعليه أن يضع ملاحظاته على الدول التي تنتهك سيادة الصومال وتسلب أرضها وتدخل جنودها إلى الصومال لحماية مصالحها ثم إلى أين تنتهي تلك المصالح المزعومة؟
 

الحقيقة الثالثة: أن الصومال تستطيع النهوض لوحدها وأن العوامل التي تجمع أهل هذا البلاد أكثر من التي تفرقهم، وقد حققت القطاعات التجارية والزراعية تقدماً ملموساً رغم غياب السلطة المركزية في البلاد، وأن نزاعات أهل الصومال سهلة الحل، كون الكل ينقاد للشريعة الإسلامية وهو الدين المجمع عليه من قبل أهل الصومال كلهم.
 

تكفي تجربة المحاكم الإسلامية واقعاً حياً لترجمة تلك الأمور على الأرض، انتهت الحرب في عهدها واستتب الأمن في مقديشو وفُتح مطارها كما عمل ميناؤها بعد ردح من الزمن، فأمن الناس على حياتهم وأموالهم وأسند الأمر إلى رجل واحد اتفق عليه الجميع.
 

لماذا انتقم المجتمع الدولي بقيادة أمريكا -الحريص على السلام في الصومال- من المحاكم الإسلامية عبر إعطاء إثيوبيا الضوء الأخضر لاجتياح البلاد وإنهاء حكم المحاكم؟
سؤال يتهرب منه كثيرون لا لأن جوابه صعب لكنها حقيقة مرّة هي أن المجتمع الدولي لا يريد سلاماً للصومال إلا عبر طريقتهم من التحكم على خيرات البلاد عبر هيئات أجنبية بدعوى إغاثة المحتاجين وزج البلاد بقوات أجنبية بدعوى حفظ السلام وجعل كل من يرضون عنه رئيساً واستبداله بمن هو أطوع لهم حين أرادوا ذلك!
 

تجربة رئيس المحاكم الإسلامية شريف شيخ أحمد دليل قوي لذلك لأن المجتمع الدولي لم يرض به رئيساً حين تم انتخابه داخل البلاد ورضوا به حين تم تنصيبه رئيساً في خارج البلاد! كأن الأمر ليس معنياً بأهل الصومال بقدر ما يعنيه المجتمع الدولي!
 

"أحرامٌ على بلابله الدوح *** حلالٌ للطير من كل جنس؟"
 

ولأجل تلك الحقائق التي تقدمت فإن الصومال لا تحتاج لإعادة الوعود لكنها تحتاج إلى إعادة الوجود، سياسياً وعسكرياً، فهل الرئيس "فرماجو" مستعد لذلك؟ لنرى التحديات أمام ذلك.
 

التحديات أمام سلام الصومال
منذ التسعينيات كان الأمن والسلام ضالة كل مواطن صومالي أينما كان ومن أجل ذلك صار إحلال الأمن والسلام عصا يستخدمها كل من له مصلحة في الصومال وله مآرب أخرى. فإثيوبيا ارتكبت المجازر لأجل إحلال السلام في الصومال وكينيا احتلت ميناء "كسمايو" وصادرت خيرات البحر لأجل إحلال السلام ووُضع النظام الفيدرالي لتقسيم المُقسم من أراضي الصومال لأجل إحلال السلام وأزهقت أرواح الآلاف من المدنيين في مقديشو وشرد أكثر من مليون شخص منها لأجل إحلال السلام وتتحكم أوغندا على المرافق الحيوية وتحوّل قواتها في إقليم شبيلي السفلى المزارع إلى قواعد عسكرية وتحرق الأشجار لأجل إحلال السلام في الصومال وهكذا دواليك فيصبح شعار السلام شعار الخراب ولكنه ليت قومي يعلمون.

وكل من بانت له تلك الحقائق ويحاول تغييرها أو تحريفها كمن يداوي المريض بالداء نفسه ويزعم أنه الدواء! فماذا بعد تشخيص المرض إلا علاجه فلماذا اللف والدوران والتردد والمواربة؟ لقد استوقفني ذلك المشهد عندما قامت سيدة صومالية من ضحايا القوات الإفريقية صوب عربة لتلك القوات في شارع القصر الرئاسي بمقديشو صارخة "اخرجوا من أرضنا، فرماجو سيُخرجكم" لا لوم في أملها ولكن من يُخْرج من؟
 

عفواً… سيدتي، إن الأمر ليس بيد الرئيس، ولا تنسي أن رئيس أوغندا الذي تقود بلاده جموع القوات الإفريقية في الصومالأفريقيا أجبر على "فرماجو" يوم كان رئيس الوزراء في 2011 التنحي من منصبه وتفاصيل القصة في اتفاقية كامبالا. أرجوكم… لا تطالبوا من لا يملك ما لا يملك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.