شعار قسم مدونات

قل لي منْ يحكمكَ أقُل لك من أنت!

مدونات الرئيس الجزائري
أذكر كما كنا نسخر من القذافي ونعتقد أن كل أهل ليبيا مجموعة من البلهاء! وفيهم علماء وعظماء طمسهم ذاك الجاهل بجهله! القذافي الذي حوَّل "ليبيا عمر المختار"إلى ليبيا "الجرذان"!! ها نحن ذا نواجه نفس المصير بالجزائر! كما سخرنا يوما، سيُسخرُ منّا!

لا نريد أن تتحول جزائر "ابن باديس"، "البشير الإبراهيمي"، "العربي بن مهيدي" إلى مهزلة تاريخية ينعتنا العالم فيها بأسوأ الألقاب. أينَ هي الجزائرُ اليوم؟ ما محلُّها من الإعراب في جملة الدول الإسلامية والعربية، والقوى العالمية؟ أربَعُ عهود! عمرٌ بأكمله يحكُمنَا نفس "الرئيس"، واليوم يدعوه البعض بالرئيس "المقعد"، ويسميه اليائسون بـ "العاجز المُعجِز"!

كنتُ أسير في أحد الشوارع ذاهبة إلى العمل، مرّ عليَّ طفلان بدا لي أنهما بسن العاشرة من العمر، كانا يضحكان، عادة أتسلى بالاستماع لأحاديث الأطفال حين يمرون من حولي.. لكني أُصبتُ بصدمة! فقد قال أحدهما للآخر: "أبو برويطة لن يموت ربما! سيظل يحكمنا حتى نصبح أنت وأنا عجزة"، فرد صاحبه بنبرة ساخرة: "أخي الأكبر يلقبه بالـ "زومبي"، إنه يمتص كل شيء جميل وبسببه لا نشتري الموز اليوم!".. كنت في حيرة من أمري! ما الذي سمعته للتو من ابني العشر سنوات!

من أراد "عشرية سوداء"؟ ومن قال إن ما قد يحصل لو طالب شعبنا بالتغيير السلمي، هو ما حصل في سوريا وغيرها من الدول؟! أعتقد أننا جميعا نعرف الحقيقة، لكن الكثير ممن رضع حليب العبودية!

من الواضح أن كثيرين يمقتون الحالة السيئة التي نعيش عليها منذ سنوات، منذ الاستقلال! لكن يرفض الكثيرون البوح. نحن نخاف السجن، نخاف التعبير خشية أن تُقطع ألسِنتُنا، أن تضيع أحلامنا، أن تُشردَ أُسرُنا إذا عبَّرنا عن رأينا بصراحة!

بالله عليكم، من يرضى برئيس مقعد؟! من يرضى بفشل تام في أغلب القطاعات، وذلك في عهود نفس الشخص! ألا يجدر به تمرير الكرة؟ هل ستبقى الكرة معه فقط يفسد مباراة فريق بأكمله! ويضيع بطولة وطن بأكمله؟! نحن في هذا الوطن -وأقصد الفئة الواعية المطّلِعة على الحقائق- ندرك تماما أننا نعيش كِذبة، وأن شعبنا مُغَيَّب، بَيدَ أن العديد تجرأ على التفوه في حق "جلالته" فأمسى مسجونا أو "منفيا" وربما قُدِّر له قدَرٌ أسوء!
 

إنك حين تقول كلمة "تغيير"، أو تهمس: "يجب تغيير هذا الحال"، ترى وجوها مرعوبة تكاد أيديهم تخنق صوتك وكلهم في هلع يهمس لك: "أتود أن يحدث لنا ما حدث قبل سنوات؟"، وغيرهم يردد: "لا نريد عشرية سوداء أخرى"، وآخر يقول: "لا نريد سوريا أخرى هنا!"… هل شعبنا أحمق؟ أم جبان؟!
من أراد "عشرية سوداء"؟ ومن قال إن ما قد يحصل لو طالب شعبنا بالتغيير السلمي، هو ما حصل في سوريا وغيرها من الدول؟! أعتقد أننا جميعا نعرف الحقيقة، لكن الكثير ممن رضع حليب العبودية والجُبنِ حدَّ الثمالة! وغيرنا شبع وجعا! أُرهق بداخله كلُّ طموح، وخار بداخله الأمل!

يا لها من طريقة قذرة لاستعباد الشعوب، عشرية سوداء، اِرهاب مفتعل، كل هذا لإسكان رعب "شبه أبدي" يُبقي الملايين من الطيور "العاشقة للحرية" خانعة في أقفاصها! لا هي غرّدت، ولا هيَ حلَّقت، وهوَ حقها! وكل ذلك خوفا من أن تُقطع حناجرها فلا تغرد للأبد!

إن رئيس أمة يمثلها، لأن شعبا يرضى بحُكم رديء يستحق كل الذل والهوان! .. رئيس عاجز وشعبه أعجز! أن يخشى الإنسان المطالبة بحقوقه، ألا يقدر حتى على البوح بأفكاره، ألا يملك الحق في الاعتراض والمطالبة بالتحسين! أي حرية هذه؟ وأي كرامة هذه؟ شعبنا الذي يحمل في دمائه شهامة الثوار، يكاد يفقد هذه الحرقة، حرقة العيش بكرامة. حرقة "يموت واقف"، يعيش بشرف ويموت بشرف! 

أصبحنا مدعاة للسخرية، ما إن تنتقد حال أمة ورئيسها المستبد، تجد أحد الأشقاء العرب يسخر قائلا: "غيروا حفاظات رئيسكم العاجز أولا"! فتستحي من أن من يمثلك هو شخص لا حول ولا قوة له، وتصمت وتعود لقوقعتك بكل ذُل! ومهما رددت أنك بريءٌ منه، لا تجدُ سامعا لك، لأنك تحمل جنسية وطن يحكمه عاجز! ألا يترك هو مكانه لمن هو أحق؟ لماذا لا نقدر على المطالبة بتغيير الرئيس بشخص أحق منه، أهلاً لهذا المنصب؟ 

والسؤال المحير: كيف يقبل الإنسان أن يبقى مكبلا طوال عمره؟ وتحت حكم شخص فاشل وقد أثبت الزمن فداحة فشله؟ هناك حقائق كثيرة مثيرة بخصوص ما يحصل في الوطن، لكن كثيرين يتسترون، وغيرهم يدفنون معلومات تفضح الجميع! وتعري الواقع الجزائري!

نريد حاكما لا نشتكي عنده اِرتفاع أسعار الخضار! فيصبح همنا في عهده شراء الموز واِنتظار اِنخفاض ثمن البيض! ويصبح الثوم من الكماليات هو والكيوي في المقام سواء!

فقط سؤال بسيط: "هل ترضى أيها الجزائري أن تُدخل طفلك مدرسة يديرها رجل مُقعدٌ أو عاجز؟ إذا ما احتجت لقائه أرسل لك نائبا يحمل ردا منه وأنت لا تعلم أهذا المدير هو حقا من رد أة أن أخاه أو نائبه أجابك؟ أترضى أن يكون نائبه أخرقا، لغته لغة شارع غير مهذبة وكأنه ليس من قطاع التربية؟ أنت لا ترضى هذا لإبنك! فكيف ترضى أن يدير وطنك عاجز؟ ومساعده رجل أحمق، لا يعرف حتى تركيب جملة صحيحة، أقل ما يقال عنه أنه "لاعب دومينو محترف".

لا نريد للوطن أي وجع، لا نريد للوطن أي ضرر، نحب الوطن، نحب كل حبة من حبات ترابه الذي سقته دماء الشهداء. إن الوطن أمانة، ضحى لأجله الملايين، فهل نرضى له هذا الحال؟ هل مات العربي بن مهيدي لأجل أن نعيش أسوء اِستعمار! اِستعمارا فكريا أسوء! متى ينضج شعبنا ليدرك أننا مهزلة، أننا متأخرون، أننا عبدة لـ "الخبزة"، وأننا صرنا مجموعة من الحمقى، يرددون في كل حدب وصوب: "تخطي راسي"، "خاطيني البوليتيك"… هذه ليست "بوليتيك" (سياسة)، هذه مسألة شرف وعزة.

نحن فقط نُطالب بشخص كُفؤ. أهل لقيادة أمة المليون ونصف مليون شهيد، بل قيادة شبه قارة! نريد حاكما قوي الشخصية، حاكما عادلا، لا ينتقي لنفسه مجموعة من الحمقى يدعون أنهم مستشارين ووزراء، حاكما نذوق عنده طعم الحرية، تتفتح عقولنا لتبدع فيدعمنا، حاكما عادلا كعمر بن الخطاب! حاكما منصفا كعمر بن عبد العزيز! حاكما متواضعا يتقبل من ينتقده لمصلحته، حاكما يقدم شعبه على نفسه، حاكما من إذا عثر أحد من رعيته ركض نحو فحمله، حاكم لا نشتكي عنده اِرتفاع أسعار الخضار! فيصبح همنا في عهده شراء الموز واِنتظار اِنخفاض ثمن البيض! ويصبح الثوم من الكماليات هو والكيوي في المقام سواء! 

حاكما لا نفكر في عهدته في الفرار نحو أوروبا، وتصبح روسيا "مدمرة سوريا وداعمة الإرهاب" حلما لكل شاب جزائري! حاكما لا نلعن بسببه الوطن! وطن الشهداء. نريد حاكما من إذا ذكرنا أنه رئيسنا، تردد الألسن: "عادل هو ذاك، منصف هو ذاك، داعم للطاقات، مقسط غير مانع للحريات".. فيصبح قدوة وفخرا حتى لغير أهل الوطن… تماما كما أصبح اليوم أردوغان! أيقونة يتمنى كل مسلم وغير مسلم مظلوم، مسروق الطموح لو يمن الله عليه بحاكم مثله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.