شعار قسم مدونات

غيّر فيتامين واو

blogs - kids
"في المرحلة الثانوية، وجدت نفسي أرغب بدراسة الإنجليزية في الجامعة، وبذلت قصارى جهدي لأحصل على معدّل تحقيق حُلُمي، بانتهاء السنة كنت قد حصلت على المركز الأول في الفرع الأدبي في مدرستي، فكانت فرحتي كبيرة.

إلى أن صدرت نتائج القبول الجامعي لأجد أني لن أدرس الإنجليزية في الجامعة التي أريد، وإنما سأدرس ما شاء الله لي غيره في نفس الجامعة وذلك لفرق عُشرين عن المعدل المطلوب..

رضيتُ بذلك؛ لأن موقع الجامعة وبُعدها عن المنزل أهمّ للعائلات المحافظة – كعائلتي – من التخصص أو من الحلم الذي سهرت الليالي لأجله.

ما زاد النار في قلبي هو قبول زميلتي دانا باللغة الإنجليزية وفي الجامعة التي أريد، وهي تنقص عن معدلي معدّليْن كامليْن وثلاثة أعشار – دقّقتُ فيه مرارا – وذلك عن طريق "الواسطة".
 
غضبت ولكنّي لم أُظهر خشية أن يعتقد الناس أني حقودة، غيورة، أنانية، رافضة لتميّز الآخرين، وسأكمل في تخصّصي وأرضى، ماذا عسايٙ أن أفعل؟
انتهى.  

من شأن الحظوظ أن تأتي، ومن شأن فضل الله أن يغمرنا ويسعدنا ويشفي كل جرح خلّفه الزمن، ولكن لا تصعّبوا أمرنا ولا تزيدوا من شتاتنا، اتركونا نرضى بما قسم الله لنا، واصنعوا لنا فيتاميناً آخر غير فيتامين واو.

لا يعني بالضرورة أن ينحصر موقف غياب العدل بقبول جامعة، أو تحقيق حلم، أو سعي نحو نجاح، تكمن خطورة غياب العدل أنه يغزو جميع المجالات بشتّى الطرق، كما أنه لا يعني بالضرورة أن دانا -في القصة السابقة – أقل كفاءة وجدارة من القاصّة، وكما نعلم فإنّ الثانوية حظوظ والمعدّل العالي لا يعكس بالضرورة جدارة وتفوق صاحبه.

إلا أنه يتضح لنا من جميع ما ذكر أن المتضرر بصورة أساسية هي القاصة التي لم يحالفها تحقيق الحلم، آمنت ورضيت، ولكن لماذا علينا أن نزيد من ألمها وأن نشعرها أن من اجتهد أقل، حصّل أكثر؟

عندما نتحدث عن غياب العدل وتكافؤ الفرص، سنصل حتما إلى نقطة غضب من شأنها أن تولد حقدا على كل من كان سببا، و كل من استفاد، وكل من سخر أو دافع أو برر.

عندما غاب تكافؤ الفرص، وغاب معه العدل، انتشرت آفات عصيبة، وسقطت الأمة بفعل مُترٙفيها ورؤساء الأمر فيها.

فكانت محصّلة الأمر في إطاريْن اثنيْن، الأول وهو الأخطر: زرع أشخاص بغير حق، بغير أساس ثابت في أماكن حاكمة لها دورها ولها وزنها في الدولة، فطبيب بغير مكانه، بنّاء بغير خبرة، متحدّث بغير لغة.
 
والثاني هو غضب مكموت كقنبلة موقوتة، وما ولده من أُناس لا يجدون في أنفسهم أي رغبة لتقديم شيء يُذكر للدولة التي لم تمنحهم – برأيهم – طريقاً لتحقيق ما يحلمون به، ساعين نحو الهجرة بأي طريقة.

خسارتُنا للقوى البشرية، ولإحترام أفراد مجتمعنا للمراكز الحاكمة، والأهم خسارتنا لثقة من نعزوهم أمل وطريق الخلاص من العجز الأمّي الذي نعيشه.

حل ذلك هو ببساطة إرجاع الأماكن لأصحابها، ووضع كل شخص بمكانه الصحيح، ليصعد مجتمعنا، ويزدهر ونعود حقاً خيرٙ أمّة بين الأمم.

كم أرجو أن يشعر كل فرد بالعدالة المجتمعية، وأن لا يتدخل صناع القرار بـ"وكان فضلُ الله عليك عظيماً"، أو بـ"وما يُلقّاها إلا ذو حظٍّ عظيم"، فمن شأن الحظوظ أن تأتي، ومن شأن فضل الله أن يغمرنا ويسعدنا ويشفي كل جرح خلّفه الزمن، ولكن لا تصعّبوا أمرنا ولا تزيدوا من شتاتنا، اتركونا نرضى بما قسم الله لنا، واصنعوا لنا فيتاميناً آخر غير فيتامين واو.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.