شعار قسم مدونات

صرخة الحروف

blogs- القراءة

أحيانًا يكون الجرح أصعب من أن يكتب على ورق؛ فتصبح حرية التعبير جرداء قاحلة، ويصبح الكاتب قطعة قماش بالية، ليس كل ما يختلج الصدر يطرح بالقلم أحاديث على ورق، ففي قلب الكاتب غصة كبيرة، لا تستطيع كلمات الحبر الواهية أن تضع لها معيارًا حتميًّا للوجع المكتوم، ربما يستطيع الفنان أن يبدع بلوحة تحتوي إيماءات عدة لن يفهمها إلا هو والأقربون من أهله، من هم على التصاق تام به، سيسر للشخصيات أسرارًا غامضة تحتفظها للأبد مستودع سر كمين لا أحد يستطيع فتح المغلق الموصد، وإن كان محللًا على قدر كبير من الذكاء.

أما نحن الكتّاب فخدعنا مكشوفة وإن استطعنا النفاذ؛ لأن كل حرف سيخط بوضوح بلا إخفاء للمشاعر المرهقة، كل شيء حرف بعد حرف ظاهر بارز، يلمع للكيان الصّامت للقارئ الواعي، ربما لن يستطيع الكثير فهم معاناة كاتب في فقرة مخفية بعناية في إحدى صفحات الكتاب المليئة بأسارير البشرية، لكنه سيكتفي في الظاهر بما يعينه على سرد الأحداث المتتالية، دون تركيز على أهمية تلك الفقرة في السيرة الذاتية المهولة للكاتب العظيم، أجل يستطيع الكاتب أن يدخل كلمات مخفية، رموزًا عجيبة، لكنها ستبقى ظاهرة على شرفة قصر القارئ، تطل برأسها للوعي الكامن في داخله، تحادث روحه فيطلق حب المنطق ثم الإدراك والتحليل، وبعد ذلك صورة كاملة.

 

إن مجتمع القراء مجتمع رائع، مجتمع مثقف واعٍ، لن تمضي كلمات الكاتب هباء، كل مقطورة لها سائق يراقب بنظر ثاقب، إن القراءة هي مستودع التفكير، هي من تطلق التركيز والحب لهذا العالم الكبير، لذا اقرأ واحرص على ذلك أيضًا، احرص أن تدخل مجتمع القراء، أن تخالطهم، أن تصادقهم حقًّا ستشعر بالحياة، ستفهم كوكبك بصدق، ربما ستبحر لمجرة أخرى هجرة أو ترفيهًا للخيال للتجديد ولكسر الروتين، نكتب نقر نطلق صرخة الحروف على بحر الورق، علّنا نفرج شيئًا من المكبوت الصادم، علّنا نرمي شيئًا من الثقل الواهي على قلوبنا لعالم قرائنا، نتقاسم الهموم والخبز فبيننا قلم وورقة.
 

كل شيء في هذا الكون أعد خصيصًا لنا نحن البشر؛ لننعم بالسلام، لنعيش حياتنا برخاء محققين هدفنا السامي والغاية المرتجاة وهي العمارة، عمارة الأرض وتخليصها من مشوبات الفساد المهلكة، ولكن لا بد من أعداء للطبيعة، لا بد من الشر القابع في زوايا عقول البشر

مجتمع القراء هو مجتمع رائع مهول تتخلله أحاديث ومصنفات عدة يطرحها الكتاب على ورق، فتذهب مع الريح إلى عوالم القراءة المذهلة ليبحر القارئ مع النغم، ويستطلع الحياة من منظور مختلف من فهم شخص آخر، وهنا تنبثق أهمية سامية للقراءة، فهي تزيد الوعي والإدراك، وتفتح العقل أمام بوابات هائلة، وتطلق العنان للمخيلة للهروب من الواقع بلا قيود، بلا زنزانة مغلقة كل شيء واضح، لا داعي للمبهمات في حديث الأطراف، في حديث العقول النابغة، للحروف صرخات ربما عيون باكية لكنها تبقيها مختزنة تحفظها بأمان داخلها، دون أن تطلع أحدًا على حزنها المدثر بأعماقها، تجمع الحياة والحب في منظومة واحدة، ضمن بوابة فسيحة واسعة.

 

كل شيء في هذا الكون أعد خصيصًا لنا نحن البشر؛ لننعم بالسلام، لنعيش حياتنا برخاء محققين هدفنا السامي والغاية المرتجاة وهي العمارة، عمارة الأرض وتخليصها من مشوبات الفساد المهلكة، ولكن لا بد من أعداء للطبيعة، لا بد من الشر القابع في زوايا عقول البشر، يحتضن النور بسواد مقيت؛ لذا فالواقع يستحيل جحيمًا؛ بل ولهبًا حارقًا، ومن تلك الزاوية وجدت الكتب فهناك قضية ولا بد من معالجة، فيبسط الكاتب المنور أحاديثه على شجرة باسقة فينبثق الحلم ثمرة دانية للعيون الناظرة، كل شيء إنما محض معالجة عملية ديناميكية بحتة، وتأملات خالدة، ربما ستشعر بالوحدة، بالقلق، بالخوف، بالرغبة، بالخلاص، بالنجاة، لكن دومًا هناك بصيص أمل، فقط استمع لصرخة الحروف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.