شعار قسم مدونات

شعورٌ في صلاة الفجر

blogs-pray

طالما ظننت أنّ اللغة العربية تكفيني لأعبّر عما أودّ التعبير عنه ولأصف ما أودّ وصفه، حتّي لمسني شعورٌ في صلاة الفجر ووجدت نفسي عاجزاً عن وصفه، فقلت لعلّ غيري قد أصاب الوصف، فبحثت ولكنّي لم أجد.وما أردت وصفه لنفسي بل  وأدعوا الأخرين لتجربته، فتخيّلت هذا الإحساس مكتوباً في عقلي لعجزي عن كتابته على الورق، وبدأت أقرأ، لكنّ الكلام لم يحمل الشعور إلى قلبي فرفعت رايةً بيضاء وأعلنت هزيمتي، لكنّني في ضرب المثال قد أُوفّق.

لنبني بيتاً بلا أساسٍ وأعمدة. وطابق بعد الطابق فيقول البيت توقّفوا فذلك فوق طاقتي. ونُسكّن النّاس فيه ونضع فيه بعض الأثاث الهشّ. وتُقام فيه ما يشبه الحياة. ويأتي الخريف فتهزّه الرياح، فتارة يصمد وتارة يوشك على السقوط. ثم الشتاء بالثلوج يغزوه… فهل يصمد؟

لماذا أنت من بين هؤلاء الناس أيقظك الله؟ ألا تعلم أنّ الله يريد لقائك كما أردت لقائه؟ ألا تعلم أنّ الله يحبّك؟

ونبني بيتاً آخر بأساسٍ مُحكم وأعمدة سكنها الحديد. وطابق بعد طابق يُثبت البيت قوته وثباته حتى يطول السحاب. ونُسكّنه بالنّاس ونُكدّسه بالأثاث الفخم الثقيل. وتُقام فيه حياة. وتمرّ الفصول الأربعة عليه فلا يُميّز الصيف من الشتاء فكلهم له واحد… فهل يسقط؟

هكذا صلاة الفجر، فهي الأساس، فمن غيرها يكن الإنسان هشّاً ضعيفاً، يهزمه الشيطان بسهولة. لا يتحمّل ما فوق طاقته ولا يجاهد نفسه. إن ضربته رياح الهوى استسلم لها، فهو ليس مُحصّن. وإن واجه مُعضلة يأس، سبّ الحياة، والمشكلة مشكلته! أمّا إذا بدأ الإنسان يومه بصلاة الفجر فهو يتسلّح بعتادٍ يكفيه لهزيمة عدوه طوال اليوم، ويكتسب همة عالية تساعده على قضاء واجباته الدنيوية والأخروية، وتتولد السكينةٌ والطمأنينةٌ في قلبه. أمّا إذا نام عنها يتبوّل الشيطان في أذنه، فكيف لأذن تبوّل فيها الشيطان أن تسمع أذان بقية الصلوات؟

لننسي المثال، ونتخيّل الحادثة. تخيّل نفسك وأنت ذاهب إلى صلاة الفجر، لا أحد في الطرقات، الدكاكين مغلقة، والظلام دامس. ألا يشعرك هذا بأنّك مميز؟ بينما الناس غارقين في نومهم متجاهلين نداء الله أكبر، قد فضّلوا النّوم عن لقاء ربهم، أنت استيقظت وتوضّأت ونُور وجهك أضاء لك الطريق المظلم إلى المسجد. لماذا أنت من بين هؤلاء الناس أيقظك الله؟ ألا تعلم أنّ الله يريد لقائك كما أردت لقائه؟ ألا تعلم أنّ الله يحبّك؟

كلّ هذا ولم تنل اللذة الأكبر بعد، فهذا كله تمهيد فقط. مع دخولك في الصلاة يبدأ كل شيء. سورة الفاتحة تُبكيك! تتشوق للسجود وأنت في الركوع، دعاءٌ في السجود تشعر أنه مسموعاً من الله في اللحظة نفسها فتلحّ بالدعاء ويطول السجود، ثم إذا أوشكت على التسليم تبكي لأن لقاء مع ربك ينتهي. لقاءٌ مع حبيبك ينتهي، لقاءٌ مع رحيم، لطيف، مُجيب ينتهي. تجفّ دموعك وأنت تختم الصلاة، ثم يخلوا المسجد. فتأتي بمصحفٍ وتمكث حتّي بصلاة الضحى تختم المجلس. فتشعر بما لا يُوصف!
 

صدّقني. أنت مختلف، أنت اصطفاك الله وأيقظك، أنت في ذمّة الله، أنت تؤدي فرضاً عليك، أن تعبد الله، أن تُنفّذ غرض الله منك في الدنيا. أنت الفائز بالجنّة، أنت الفائز بالنظر إلى وجه الله، أنت يُحبّك الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.