شعار قسم مدونات

شركاؤنا في الحياة

blogs - شاب يتكلم في الهاتف
على شفير الحلم الذي أودعناه وسائدنا نقوم منتصبين منتفضين، لنستقبل يومًا جديدًا وقد نفثنا في ربوعه الأمل، لا يزال لدينا رصيد من راتب الشهر الحالي، فبالكاد صرفنا خمسه بما أننا في مطلع الشهر الذي لم ينقضِ منه سوى خمسة أيام، ولا أحتاج لسلفة من عملي لهذا الشهر، فلدي ما يكفيني، وما زالت الملابس التي اشتريتها منذ سنتين تبدو جديدة فلا داعٍ لتبديلها، وكوب القهوة المعد بالطريقة السحرية شارف على الانتهاء، لا يزال اليوم جميل والحياة المبتسمة على أكمل وجه…

أول ما نستهل به يومنا هو تفقد منشوراتنا التي استودعناها خانة الصفحة الشخصية في الأمس، لنجد أصحاب الإطراء، وذلك الشخص الذي خلق لينتقد قد تفقد كل جوانب المنشور من أعلاه حتى أسفله، ومن جوانبه المتشرذمة، وقد قام بتنقيح المادة المطروحة وكأنما قد نصبه (مارك) محررًا للصفحات وقد ترك كل الإيجابيات المطروحة ولم ترَ عيناه سوى كلمة أبدلت حروفها سهوًا، أو فاصلة في غير مكانها، أو خطأً طباعيًا لا يرى في العين المجردة، ليسارع بانتقاده.. لابأس فهذه النوعية من الأشخاص لا بد أن نراها في حياتنا كما هي الطفيليات في الطبيعة.

لم آبه له فما زالت الفرحة ترتسم على الوجنتين الأزهريتين ولا أريد أن أعكر صفو يومي؛ لذلك قررت أن أكون إيجابيًا، وبناءً على ذلك أغلقت هاتفي حتى لا أعكر صفو يومي، واضطجعت في كرسي الحافلة، لكن الشخص المتربع جانبي لم يرقه الأمر، وكأنه قد أصبح شريكي في الهاتف، الذي ما انفك ينظر إليه منذ أن بدأت أقلب في زوايا صفحتي الشخصية، للحظة ظننت أني قد أخطأت وأمسكت هاتفه هو بدلًا من هاتفي، وتفقدت صفحته لا صفحتي.

وابتسمت رغم ما يغلغل في صدري من طغيان الهموم، وعدت لاضطجع على كرسي الحافلة الذي قد ضاق مني ذرعًا، ليعود الهاتف بالاهتزاز مجددًا.

وأولئك الفضوليون أيضًا لهم نصيب من حياتنا، ومع ذلك لم أعره اهتمامي، وآثرت أن أحافظ على بسمة الصباح المصونة التي ما زالت ترافقني، وما إن سيطرت على موجة الغضب التي كادت أن تمتلكني، حتى تعكر صفو الهواء الذي أستنشقه بعد أن أشعل ذلك الفضولي ذاته (سيجارته) وكأنه يحاسبني على فعلتي الشنيعة عندما أجهضت له سلسلة تخيلاته السارحة في هاتفي، لا بأس فنحن نقابل الكثير من هؤلاء الشركاء المستهترين الذين يظنون أنهم قد امتلكوا الكون، فقد شارفت رحلتي على الانتهاء، ولا بد أن أحتفظ فيما تبقى لدي من بسمة؛ لأقابل فيها عملي، لكن الهاتف الملعون اهتز في جيبي وكأني علمت أنه يخفي شيئًا ما. رقم غريب!

سيدي لديك فاتورة اشتراك لم تقم بتسديدها منذ شهرين، وننذرك بانفصال خطك إذا لم تقم بتسديدها…
بدأت تتناثر البسمة التي لطالما حاولت أن أحافظ عليها شيئًا فشيئًا، لا بأس فهذا لم أضعه في حساباتي، عدت لأرتخي مجددًا على ظهر الكرسي محاولًا التأقلم مع دخان السيجارة وفاتورة الهاتف، ووضعت يدي في جيبي لألامس ورقة رقيقة، سرحت في خيالي حينها وظننت أنها بعض أموالي التي أودعتها في جيب بنطالي، وهرعت مسرعًا لإخراجها، وكانت المصيبة أنها فاتورة الماء التي تحتضن فاتورتَي كهرباء، كنت قد نسيتهم منذ مطلع الشهر على أمل أن تنساهم شركة الكهرباء أيضًا.

وابتسمت رغم ما يغلغل في صدري من طغيان الهموم، وعدت لاضطجع على كرسي الحافلة الذي قد ضاق مني ذرعًا، ليعود الهاتف بالاهتزاز مجددًا، وإذ برقم صاحب البيت الذي أقطن فيه، يذكرني بسداد الإيجار.

ورفعت هاتفي مجددًا… لأتصل بالمحاسب مجددًا.. راجيًا إياه أن يعطيني سلفة للشهر الجديد، وعلمت أخيرًا لماذا يبدو أبناء شعبي عبوسين بعد انقضاء خمسة أيامٍ على كل شهر!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.