شعار قسم مدونات

خلق الله الكون على مراحل

blogs - سماء
يقول الإمام حسن البنا رحمة الله عليه، لا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، لا يمكنك التغلب على القوانيين والسنن الكونية، بحيث لا بد وأن تتم كل عملية نمو وتقدم حقيقي في نسق تدريجي خطوة بخطوة، حيث تتبع تسلسلا تطوريا طبيعيا يحدثنا القرآن الكريم (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام) كل يوم كان له أهمية، وكل شيء كان له الموعد الذي تم فيه خلقه، فالضياء كان له موعده الذي خلق فيه، والأرض، وكذلك النبات، وكذلك الحيوانات حتى انتهى بالإنسان على أن عملية التطور التدريجي تلك تشيع في كل ميدان من ميادين الحياة. 

فعندما يولد الإنسان، يتعلم كيف يتقلب في مهده ثم كيف يجلس ثم كيف يحبو، ثم كيف يمشي ثم يجري، وتتميز كل مرحلة من تلك المراحل بأهميتها الخاصة بها، ولا يمكن إغفال مرحلة معها أو تخطيها، وفي المدرسة ندرس أولا الحساب قبل أن ندرس الجبر، والجبر قبل حساب التفاضل والتكامل، لأننا لا يمكن أن نفهم حساب التفاضل والتكامل قبل أن نعي جيدا الجبر، وكذا الجبر لا يمكن أن ندرسه الحساب، وفي مجال الإنشاءات نحن نبني أولا الأسس القوية قبل أن نقوم بإضافة أي شيء جديد أو وضع اللمسات الأخيرة. 

نحن نعي تلك العملية التدريجية ونتقبلها في ميادين الحياة المادية والفكرية لوجود مشاهدات تؤكد ذلك، غير أننا في ميادين التطور الإنساني والتعاون الاجتماعي عادة ما نعتمد على الطرق المختصرة كبديل لعمليات التطور التدريجي، مثل العمد إلى المصلحة قبل الأولويات والجمال الظاهر المصطنع بدلا من الجمال الأخلاقي ومكارم الأخلاق، والشكل دون الروح أو الجوهر، والتظاهر دون الكفاءة، والجدارة والقدرة الحقيقية، بل إننا قد نتجاوز خطوات ضرورية في محاولة منا لاختصار الوقت والجهد، وبعد ذلك نرجو لو نجني الثمار المرغوبة. 

إذا لم يمنح الطلاب معلمهم الفرصة للوقوف على حقيقة مستوياتهم من خلال طرح أسئلة عليهم، فلن يتعلموا أبدآ، ولن يتطورا، كما أن التظاهر لا يمكن أن يستمر طويلآ.

غير أن هذا الرجاء غالبا ما يذهب سدى، لأنه لا سبيل إلى الأساليب المختصرة طالما أنك تسعى إلى تنمية مهاراتك ومواهبك في الهوايات وغيرها، وكذلك الأمر بالنسبة لتنمية العقول والشخصيات، لا سبيل إلى الطرق المختصرة، إن إنجاز أي أمر من أمور الدنيا لا بد وأن يتم على مراحل، لا بد وأن يكون هناك عمليات نمو وتنمية متعاقبة، وعلى كل مرحلة من مراحل وخطى النمو يمكننا تطبيق مفهوم خلق الله الكون في ستة أيام.

أعتقد أن الإجابة على تلك الأسئلة تبدو في غاية الوضوح، فمن المستحيل بأية حال أن ترتقي إلى المستوى الذي تريده، بينما أنت تتجاهل أو تتخطى أو تختصر عملية التطور تلك، إن هذا الأمر يخالف قوانين الطبيعة والسنن الكونية نفسها، وكل محاولة منك لاختصار تلك العملية سيكون مصيرها الفشل والإحباط والتخبط، فأنا لو كان مستواي ضعيفآ في عمل ما وأردت الارتقاء بمستواي لأصبح فيه جيد جدا، فلا بد وأن أمر بكل مستوى أكون فيه مقبولآ أولآ، ثم جيدآ ثم جيد جدآ وهكذا، فلن تجد الطرق الجانبية والمختصرة نفعآ، وكذلك لن تجدي المظاهر ما ندعي به عن المهارة والحنكة، وكي تتقدم في مستواك لا بد وأن تقر بحقيقة تواضع مستواك، وأن ترفض أي طريقة لتجميل مستواك بما يخالف الحقيقة.

إذا لم يمنح الطلاب معلمهم الفرصة للوقوف على حقيقة مستوياتهم من خلال طرح أسئلة عليهم، فلن يتعلموا أبدآ، ولن يتطورا، كما أن التظاهر لا يمكن أن يستمر طويلآ، ففي النهاية لا بد وأن ينكشف الأمر، إن الإقرار بالجهل عادة ما يكون أول خطوات التعلم. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.