شعار قسم مدونات

اليمن وصراع الهويات

مدونات - الهاشمية
سجلت الحرب خلال العامين الماضيين حضورا في كل بيت يمني، لم يسلم من شرارة الحرب أحد. المنزل الذي لم يصل إليه ملك الموت وصل إليه هاشمياً مسلحا. بقوة السلاح تُجبر هاشمية الرعب قاطني المنازل بالرحيل الفوري من منازلهم. هناك من يحصل على مهلة اقصاها نصف ساعة لمغادرة منزله لأخذ ما تيسر له من ممتلكاته، وهناك من يتم تفجير منازلهم في غضون دقائق معدودة.
 

هنالك ثمة من يصور الصراع في اليمن على أنه صراع سياسي ومصالح لدول أخرى في اليمن، لكن الوقت أثبت لنا عكس ذلك، فالحرب والصراع وجودياً ليس سياسيا أو صراع مصالح. كانت الشرعية اليمنية الحبل الوحيد الذي تمسك به اليمنيون منذ بداية الصراع كونها تمثل الشعب بصرف النظر على أنها لم تحقق الأمن منذ زمن طويل. فاليمني يعيش حياة الرعب والخوف الدائم، والقتل العشوائي ليس ضيفا جديداً على هذه البلد فثمة جهل لا يزال يسكن صخور البلد وليس عقول أهلها فحسب!
 

استطاعت الهاشمية -قبائل يمنية نسبة إلى بني هاشم- السياسية اختراق الشرعية اليمنية وسكنت الهرم الأعلى في السلطة وبيت القرار. تؤدي الشرعية الهاشمية دورها الكامل في مواجهة رموز الجمهورية والجمهوريين من اليمنيين بالتعاون مع الإمامية الزيدية القبلية على الأرض وفي هرم السلطة الشرعية ويمثل هذا الدور دعم مباشر للهاشمية السلالية التي تقاتل اليمنيين بكل الوسائل والإمكانيات وتسعى بكل جهد لتجفيف منبع النسل العربي. تعتبر الإمامية الزيدية جزء لا يتجزأ من الهاشمية السلالية، كليهما يمثلا انسجام تام واتفاق مباشرا في العديد من الأمور، كما أنهم يمثلا جبهة واحدة.
 

استطاعت الهاشمية السياسية من مكانتها في هرم الحكم خلق مجتمع منهاض لثورات أجداده فقد عملت الهاشمية على قمع جميع من حاولوا التذكير أو التدوين حول جميع من خاضوا حروبا ضدهم وأسسوا ثورات ضد حكمهم الفاشي

ساعد الإماميون في هرم السلطة الشرعية اليمنية فئة كبيرة من الهاشميين للتمكن من إحكام القبضة على أهم مفاصل وأسلحة الشرعية والتي ستحقق انتصارًا ساحقًا في معركتها مع المليشيا الحوثية. ومن أهمهما القطاع الإعلامي فهو كُليًا يعتبر جزء مختطف بيد الجماعة الهاشمية السلالية، ويمثل هذا الغياب الإعلامي أهم الأسباب في غياب الاستراتيجية بصف الشرعية اليمنية وبمسمى أصح في صف اليمنين.
 

تمارس الهاشمية السلالية الفاشية الكذب والتدليس بشكل مستمر. فقد حاولت جاهدة تحويل وتصوير الصراع الحاصل في اليمن على أنه صراع مذهبي بين شيعة وسنة وهذا يعد تحريف وتحويل لحقيقة وواقعية المعركة ونقلها للعالم بصورة خاطئة. فالحرب في اليمن بين العربي واللاعربي وهذا ما يجب أن يكون وما يجب أن يقال احتراما للدماء والشهداء والجرحى.
 

إن فهم المعركة والصراع في اليمن على إنه صراع طائفي ديني يقزم المعركة ويحصرها بين الجماعة السنية كطرف وبين الجماعة الشيعية كطرف أخر. مما يعني أن هذا يمثل تهميش لفئة كبيرة من الشريحة اليمنية أو العربية اللاإسلامية، ويشكل خطورة شديدة تطعن وتقزم المعركة وتحرف البوصلة والقضية وتنسبها لغير حقيقتها أو للوهم. إن الهاشمية السياسية تسعى بكل الوسائل لجعل مفهوم الحرب في اليمن حرب ديني طائفي، ومع الأسف الشديد هنالك من يتجاوب معهم من اليمنيين ويروج للمعركة بهذا الشكل وبهذه المنطق والصورة غير مدركٍ للمغزى الحقيقي وراء كل ذلك التدليس والتحريف.
 

إن القضية اليمنية لا تعني الفئة المسلمة مثلما أنها لا تعني اليمنيين فقط، بل إنها قضية كل من له علاقة بالهوية العربية. وتعني جميع العرب سواء كانوا من المسلمين او غير المسلمين فالقضية عامة ولن نسمح في حصرها أو تحريفها نهائياً مهما كلف الأمر. بدأ اليمنيين يستعيدون تاريخهم من خلال البحث بين كتب التاريخ. فاليمني بدأ اليوم يستعيد سعد ابن عباد وعبهلة العنسي المعروف بالأسود العنسي. خاض عبهلة بن كعب بن غوث العنسي المذحجي ثورة قومية ضد فارس في العهد الذي كانت تحكم به اليمن أو المتوردون كما وصفهم عبهلة في مقولته قائلا: أيها المتوردون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، وأمسكوا ما جمعتم فنحن أولى به "يقصد الزكاة" وأنتم على ما أنتم عليه.
 

لم تستطع الهاشمية السياسية مواجهة عبهلة وكانت العديد من القبائل اليمنية تتوافد إلى صف عبهلة في حربه ضد المتوردون "الفارس"، مما جعل الهاشمية السياسية تسعى بكل وسائلها لشيطنة عبهلة بن كعب فتارة قالت إنه مرتد عن الإسلام وتارة أخرى قالت إنه ادعى النبوة رغم أنه لا يوجد نهائيا ما يفيد عن أن عبهلة بن كعب اعتنق الإسلام حتى قتل.
 

استطاعت الهاشمية السياسية من مكانتها في هرم الحكم خلق مجتمع منهاض لثورات أجداده فقد عملت الهاشمية على قمع جميع من حاولوا التذكير أو التدوين حول جميع من خاضوا حروبا ضدهم وأسسوا ثورات ضد حكمهم الفاشي. وتمارس الهاشمية السياسية والدينة نفس الدور الهمجي في شيطنة كل من يحاول تعريتهم على حقيقتهم فمثلما تم شيطنة عبهلة بن كعب يتم اليوم شيطنة كل يمني يكتب أو يتحدث متباهيا بقومية وثورات أجدادهم. هناك العديد ممن تم شيطنتهم وتكفيرهم فقط لأنهم قالوا عنهم كما قال عنهم عبهلة "المتوردون".
 

تقود الهاشمية حرب إبادة وتجفيف لمنبع النسل العربي ككل ولم تفرق بين صغير أو كبير ولا بين رجل أو امرأة. لقد زرعت الهاشمية الألغام بشكل عشوائي على جزء كبير من الجغرافيا اليمنية خصوصا المناطق التي سيطرت عليها.

تدير الهاشمية السياسية الشرعية اليمنية بعد أن تمترست وتمكنت بشكل كبير من أحكام القبضة على أهم المواقع السياسية والدبلوماسية والعسكرية والإعلامية والتي تديرها في سبيل مصلحتهم بشكل حذر جداً. يتعرض اليمنيون اليوم لهجوما إعلاميا بصرف النظر عن الاغتيالات العسكرية التي يتم تنفيذها بين فترة وأخرى لقيادة سياسية وعسكرية يمنية تعتبر بأن الصراع وجودي بين اليمنيين والمتوردين.
 

إن المعركة التي بيننا وبين الفرس هي معركة "هوية" ممتدة مضى عليها ألف سنة ولا تزال قائمة، وليست معركة أديان كما يروج لها الجهلة. وها نحنُ اليوم كالأمس نقاتلهم بمختلف اطيافنا وأشكالنا ومعتقداتنا الفكرية والأدبية والدينية! وإن تصوير الصراع في اليمن على إنه صراع سياسي أو مصالح لدول أخرى هو وجه آخر لممارسة الكذب وبشكل بشع جداً. فالمعركة اليوم واضحة وجلية ولا يحتاج الإنسان المزيد من الوقت لفهمها.
 

تقود الهاشمية حرب إبادة وتجفيف لمنبع النسل العربي ككل ولم تفرق بين صغير أو كبير ولا بين رجل أو امرأة. لقد زرعت الهاشمية الألغام بشكل عشوائي على جزء كبير من الجغرافيا اليمنية خصوصا المناطق التي سيطرت عليها، وفجرت جميع منازل الأقيال اليمنية حتى الذين وقفوا في حياد عن مسرح الصراع القائم. ثمة هنالك قواعد وأعراف عسكرية تفيد أن زرع الألغام بهذه الطريقة العشوائية خطأ جسيم يحاسب عليه فاعله. فاليمني مهدد لمئات السنين بالموت بهذه الألغام فمهما عملت الدولة على نزعها مستقبلا إلا أنها لن تستطيع نزعها بشكل كلي لصعوبة معرفة مكان تواجدها. تستخدم أطراف الصراع في جميع الحروب زرع الألغام بشكل هندسي وعبر خرائط توضح مستقبلا مكان الألغام لكي يتم انتزاعها بشكل كامل في حال وجد توافق اوحل للنزع. لكن الهاشمية كما أسلفت سابقا تقود حرب إبادة وتجفيف لمنبع النسل العربي ولا هدف لهم في حربهم في اليمن غير هذا.
 

إن الحديث عن أن الهاشمية جماعة يمكنها قبول التعايش السلمي مع اليمنيين بشكل خاص، يعد "استحمار" من الدرجة الأولى. هذه الجماعة رضعت حليبا حراما وتربت وترعرعت في طرق هجرة مليئة بالدم والرعب. بالتالي نحنُ لم يعد نمتلك القدرة على التعايش مع جماعة كهذه تعيش وتتنفس الدم.

قضيتنا قضية هوية بحته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.