شعار قسم مدونات

الفقر العاطفي بين اعتراف ونكران

blogs - love

ربما من الأمور الكثيرة المطروحة بقوة في ذهن الشباب عموماً هي ذلك الشعور المرهف والكيمياء المتبادلة بينه وبين شخص آخر حيث أنه يضع الأمر في أولوياته على أنه النواة التي تحوم حولها كل الأحداث، فإن لم ينجح في أن يرتبط بفتاة أو يقيم علاقة يعتبر الأمر غير عادياً أي بمثابة إعاقة نفسية أو جسدية وهذا ما يجعل أغلب الشباب في مرحلة المراهقة خاصة يهتمون بشكلهم الخارجي ومظهرهم ويواكبون الموضة ليكونوا دائماً محل إعجاب ولفت لأنظار الفتيات من حولهم لئلا يقعوا في موقف محرج مع أي فتاة وبالأساس كل هذه الممارسات هي ملأ شواغر في ذواتهم.
 

لكن اليوم الحالة التي يعيشها أغلب الشباب هي حالة الجفاء والفقر العاطفي الذي أصبح بمثابة القيود التي تكبل كل شاب وتجعله يقيم حياته كلها على أمل ارتباطه بفتاة وأقصى طموحه هو أن يتمشى معها في ساحة المعهد كما يرى زميله يفعل، في نهاية الأمر الهدف ليس في تحقيق تلك الصورة فقط بقدر ما هو تحقيق للذات وإثبات للنفس وكأنما الارتباط هو علامة الوجود أي كأنه يصرخ في قوم "ها أنا ذا بينكم أحقق ذاتي وأفرضها".
 

إن ظاهرة الارتباط أصبحت ظاهرة تستحق منا البحث والتدقيق فالأمر يتجلى في ظاهره عادياً حينما يكون الارتباط بفتاة واحدة وربما يؤول الأمر معها إلى خطوبة لكن ينقلب الأمر إذا ما أصبحت العلاقة تنطلق صباحاً وتنقطع مساء أي أن الشاب اليوم يبحث عن نفسه وذاته في كل فتاة يعرفها ويرتبط بها فإذا ما بحث ولم يجد ما يريد، انقطعت العلاقة في ساعات معدودة ولا يتجاوز الأمر بدايته حتى يبلغ النهاية.
 

ما نراه اليوم لا يرقى إلى درجة الحب، ربما هو اعتداء على هذا الشعور وإفراغه من كل معانيه وانسابه للتجريد ليلعب العقل دور المتحيّل في هكذا مواقف.

حقيقة نحتاج اليوم كشباب أن نتلقى دروساً ونسمع كلاماً ينفخ في روحنا من جديد ويملأ الشواغر في نفوسنا ويحملنا المسؤولية لندرك أن هدفنا يتجاوز الارتباط بفتاة وإيجاد السبل لإقناعها ليبلغ بناء وعي وفكر نحقق به ذواتنا ونفرض به أنفسنا على محيطنا. لا بد لكل شاب أن يفكر مليّاً في وضع اللبنات الأولى لبناء شخصيته على أسس ثابتة وقيم تجعله يتحمل الكدمات الاجتماعية والرجاة الفكرية، هي المرحلة التي تفرض علينا قواعد وتكبّلنا وهو أمر حتمي لكن إما الثورة على الذات وإملاءاتها وتوسيع مساحة الفكر والحرية أو تضييق المساحة والتسليم بالواقع بكل ما فيه من سلب للحرية الفكرية.
 

ليس كلامي نبذاً للحب ولا تعالياً على أسمى شعور يمكن أن ترقى إليه النفس البشرية ولكن نقداً ووقوفاً على رؤية الشباب له وأسلوب تنزيله في واقهم، حقيقة وليس في الأمر مبالغة لكن ما نراه اليوم لا يرقى إلى درجة الحب، ربما هو اعتداء على هذا الشعور وإفراغه من كل معانيه وانسابه للتجريد ليلعب العقل دور المتحيّل في هكذا مواقف.
 

إن الممارسة اليوم أصبحت شبيهة بقوالب جاهزة يستهلكها الشباب ولا يفكرون في مأتاها، هو الشيء الشبيه بالبضاعة المعروضة التي نجح صاحبها في أن يسوق لها فاستحوذ على إدراك الناس واشتروها دون تفكير للحظة في الفرق بينها وبين بقية المعروض، في النهاية هو نجاح في التسويق والعرض. هكذا أصبح الحب، جاهزاً في قوالب مشكّلة تشترك في كل الصفات ولا يختلف اثنين في طريقة استهلاكها. أصبح الشباب اليوم يعيش نفس قصص الحب ونفس البدايات والنهايات، المشاكل نفسها، الحلول نفسها، حتى الأطراف في طريقة تفكيرهم لا يختلفون البتّة.
 

في النهاية أريد أن أقول أن الأمر مرتبط بلحظة واحدة تبحث فيها عن ذواتك، تأكد أنك لن تجدها، ستتوه بين الكلمات والقصص المتعددة والحب الأعرج والغضب والفرحة… لن تجد ذاتك في كوم القشّ من التجارب والتراكمات، لذلك ارفع عنها الركام وشظايا التجارب والأحاسيس واعتذر منها على تقصيرك واطلب العفو وعاهدها أنك لن تغفل عنها يوماً. عد إلى ذاتك يا صديقي وستجد الحب والجمال وسترقى روحك إلى علياء عالم الروح لتجد نفسك تكتب الشعر وتحب وكأنك لم تحب من قبل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.