شعار قسم مدونات

ارتوينا من الأزمات

مدونات، ثورة

لم يعد ديدن هذه الأمة سوى الأزمات، حتى أصبحنا من أكثر الأمم في العالم التي لا تخشى أي أزمة، اقتصادية كانت أو سياسة أو اجتماعية لا فرق، لأننا وببساطة نعيش هذه الأزمات كلها دفعة واحدة، فلماذا نخشى منها أصلاً؟

بعد أن حصلنا على الاستقلال من الغرب، وجعل على رؤوسنا حكاماً ديكتاتوريين جهلة، حكمونا بالحرير والحديد، ولسنوات تغيرت معها أجيال الأمة ولم يتغير حكامها. بعد الصفعة الأغلى في تاريخ البشرية صفعة الشرطية التونسية لمحمد البوعزيزي، غضبت الأمة وقالت لا ركوع بعد الأن، وتبادر لأدهاننا أفكار كانت ولا زالت أحلاماً، كالديموقراطية والحرية والتقدم والاتحاد، ولكن الصفعة التي كنا نظنها كانت قاسية على وجه الأنظمة العربية، ما لبثت أن عادت إلى الشعوب المكلومة لتدفع الثمن غالياً، حروب هنا، وانقلابات هناك، كان ثمنها من حياة وجيب الموطن العادي.

ماذا حققت لنا الثورات العربية؟
النتيجة النهائية للثورات العربية لا يمكن لأي أحد أن يتكهن بها، لأن التاريخ يعلمنا أن أي حدث لا يزال مستمراً في الزمان لا يمكن أن نضع أمامه علامة (تساوي)، إلا بعد أن يتوقف هذا الحدث توقفاً نهائياً في زمن معين. ولكن ما حصلنا عليه حتى الأن يكفينا حتى الشبع، ويجعلنا نعرف بوادر النتيجة النهائية لهذه الثورات، فبعد كل ما جرى حتى الأن أنا شبه مقتنع أن فكرة الاتحاد العربية لم يعد ممكناً تحقيقه في أرض الواقع، بل العكس هو الذي يحدث، أي أن الواقع قد يفرز دويلات صغيرة جديدة في الدول العربية منها سوريا وليبيا واليمن والمغرب لا قدر الله. بل هناك قوميات غير عربية تنادي بالاستقلال عن الدول العربية أو على الأقل تمتعها بالحكم الذاتي.

الأنظمة العربية الاستبدادية أصبحت أكثر مناعة مما كانت عليهقبل الثورات العربية، حيث لم تعد تخشى أي حراك شعبي مهما كان، بل وتقابل أي حراك بالعنف وبالاعتقالات، وتتهم أي حركة أو جماعة معارضة "بالإرهاب" الذي أصبح (موضة) القرن 21 بامتياز

أما مطالب الحرية والديموقراطية والعدل، فقد أصبح تحقيقها أصعب مما كانت علية قبل الثورات العربية، فما عاد أحد يجرؤ على الخروج إلى الشارع والمطالبة بحقه، لأنه غالبا سوف يُتهم إما بإثارة "الفتنة" أو أنه يهدد أمن الدولة، وتلفق له اتهامات مثل "الإرهاب" التي أصبحت أغلب الأنظمة العربية والغربية تلفقها لكل من يعارضها.

أما الأنظمة العربية الاستبدادية فقد أصبحت أكثر مناعة مما كانت عليه، حيث لم تعد تخشى أي حراك شعبي مهما كان، بل وتقابل أي حراك بالعنف وبالاعتقالات، وتتهم أي حركة أو جماعة معارضة "بالإرهاب" الذي أصبح (موضة) القرن 21 بامتياز.

ماذا قدم لنا الغرب؟ 
لا شيء سوى أنه يلوح لنا بالجزرة (الديموقراطية) ونهرول وراءها. ومن المؤكد أنه لن يعطيها لنا، وهو لم ولن يمل من أن يلعب معنا هذه اللعبة القذرة، والتي دفعنا فيها الغالي والنفيس من أجل أن ننتصر فيها. حاربناه بالسلاح في أيام الاستعمار وستنزف دماؤنا وثروات بلداننا، وحاربناه بعد الاستقلال بالصمت لمدة تجاوزت النصف قرن، وما كان عليه إلا أن يحقق الاستقرار لحلفائه على الكراسي ويحقق لنا الاستقرار تحت كراسيهم، وحاربناه بالثورات وانتصر علينا بمخطط لا أحد يستطيع أن يتكهن بمحتواه حتى الأن.

إذاً كيف سنأخذ هذه الجزرة (الديمقراطية)؟
على الأرجح لم يعد ممكنا أن ننال الديموقراطية بالثورات، لأننا إذا خرجنا إلى الشارع مرة أخرى ورفعنا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" فسوف نسقط نحن أمواتاً ولن يسقط النظام، أما الخيار الثاني المتمثل في حمل السلاح لتحقيق الحرية والعدالة ونيل الديموقراطية، فسنصبح جميعاً دواعش وإرهابيين في نظر الغرب وأنظمتنا على حد سواء، أما الخيار الثالث هو أن نحقق التغير في عقولنا وفي أفكارنا أولاً وأن نحاول صناعة النخبة وقادة المستقبل لإحداث التغير من الداخل، وهذا الخيار هو الأنجع، سأبسطه بمثال "البيضة" فالبيضة مثلاً عندما يحدث عليها أي تغير من الخارج فحتماً يكسرها ويفسدها، والعكس هو ما يحدث عندما يطرأ عليها تغير من الداخل ويبث الحياة فيها ينتج لنا كائن حي أي "فرخ".

إذاً فالتغير يجب أن يبدأ من عقل الفرد أولا، ثم إلى الأسرة الصغيرة، ثم العائلة الكبيرة ،ثم إلى المدرسة، ثم إلى المجتمع، حين إذنْ سوف يتغير نظام الدولة بكامله كما حدث في "كوريا الجنوبية"، التي حققت ثورة شعبها على حاكمتها في أيام قليلة ما لم تحققه الثورات العربية في سنوات، لأن الاختلاف يكمن في مدى استيعاب الشعب لمعنى التغير ومعنى الحرية ومعنى الديموقراطية، ومدى إمكانية الشعب في التحمل والاستمرارية والتدرج في المطالب وعدم التراجع للوراء، لأن التراجع سوف يجعله أكثر انبطاحا مما كان عليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.