شعار قسم مدونات

وجوه ضائعة

blogs وجوه ضائعة

قبل فترة قابلت سيدة في أحد المتاجر ولَم أتعرف عليها حتى اقتربت مني وبدأت بالسلام والحديث وأنا طوال الوقت أحدق بوجهها علّي أتعرف على هذا السيدة التي تعرفني وتسألني عن أبنائي وزوجي وعملي! وقبل نهاية اللقاء بقليل توصلت لشك بأني بالفعل أعرفها وكان بيننا تواصل وعلاقات سابقة لكنها لا تشبه نفسها الآن، وانتهى اللقاء ولا يزال لدي شك في هويتها إن كانت هي تلك السيدة الجميلة صغيرة السن التي كنت أعرفها أم لا، وبعد وقت قليل تأكدت شكوكي عندما سمعت أحدهم يقول بأنها خضعت لعدة عمليات تجميلية ولَم يعد بالإمكان التعرف عليها بسهولة! لقد دهشت حقا لأنها كانت جميلة جدا كما أنها لم تزل صغيرة في العمر أيضا بمعنى أنها لا تحتاج لعمليات شد أو نفخ أو غيره، فتساءلت في نفسي لم تشعر سيدة بمثل جمالها وعمرها بحاجة تدفعها لتغيير شكلها تماما وبالنتيجة تفقد وجهها الطبيعي الذي يميزها لتستبدله بهذا الوجه الفاقد للشخصية؟

وكلما صادفت امرأة يظهر على وجهها وضوح العمليات (التجريبية لا التجميلية) أتساءل هل من الممكن أن تكون معجبة بهذه النتيجة التي لا ترضي أحداً، أم أنها مدفوعة لهذه العمليات خوفا من ظهور آثار الزمن عليها متحملة نتيجة كهذه كنوع من الرضا بأَهْوَن الشرين، أم أنها قد أصبحت تقليدا تتلقاه السيدات دون تفكير حقيقي كتداول آخر صرعات الملابس والتسريحات!! فما هو متداول الآن أن تكون الوجنتان بارزتان مثلا وغدا تصبح الصرعة أن يبرز الذقن ربما وعندها تبرز الحاجة لعملية جديدة! 

لقد أصبحت هذه العمليات شيئا منتشرا يدفعنا للتفكير في مبرراتها علّنا نقتنع بها أو سلبياتها فنقلع عنها، فإذا كان ما يدفع للقيام بها هو التقدم في العمر: فلو فكرت في الموضوع تجد أن هناك خياران فقط في هذا المجال، فإما أن تتقبل نفسيا التغيرات التي تحدث لوجهك وتفهم الحكمة الربانية منها كتذكير يومي بأن هذا الوجه هو شيء مؤقت وليس ذَا أهمية، والخيار الاخر هو أن تقوم بعمليات تجميل تجعل وجهك ضائعا في الزمن، فلا هو وجه شاب نضر ولا هو وجه متقدم في العمر يحمل آثار ابتساماته وأوجاعه ولا يخجل منها.
 

عندما تنظر لهذا الوجه الذي نحت بيد الطبيب فإنك تستطيع بسهولة استشفاف عمره الحقيقي وراء هذه العمليات، لأن هناك حتما ما نفقده من وجوهنا كلما تقدمنا في العمر، ربما هي النضارة أو نوعية البشرة لا أعلم، لكنها بالتأكيد لا تعود مهما قمنا بعمليات للتجميل

أما إذا كان السبب وراء العمليات هو شيوع موضة شكل معين للنساء فهل يعقل أن نصبح جميعا بشكل واحد، وأن نغير شكلنا كلما طرأت بخاطر أحد الأيقونات العالمية فكرة مجنونة، أو كلما ظهرت نجمة تلفزيونية جديدة وأسرت عقول النساء قبل الرجال! إلى أي مدى ستتحمل وجوهنا كل هذه التعديلات، وماذا إذا كانت النتيجة غير مرضية؟ 

وأنا على يقين أن الكثير يشاركني الرأي عندما أقول أن نتيجة هذه العمليات غالبا ليست إيجابية، وأن السيدة تستبدل تجاعيدها الرقيقة التي تتحدث لغة أخرى تنافس لغة العيون، تستبدلها بوجه موحد التعابير لا تكاد تلمس فيه فرحا أو حزنا، بل انتفاخات هنا وهناك كانت سابقا موضعا للمشاعر، فالتجاعيد كما أراها هي تلك اللحظات من السعادة أو الحزن التي مرت وحفرت أثرها على الوجه معلنة أنه قد عاش تجاربه وامتلك الحكمة التي تؤهله ليكون موضع احترام ومشورة. 

كما أنك عندما تنظر لهذا الوجه الذي نحت بيد الطبيب فإنك تستطيع بسهولة استشفاف عمره الحقيقي وراء هذه العمليات، لأن هناك حتما ما نفقده من وجوهنا كلما تقدمنا في العمر، ربما هي النضارة أو نوعية البشرة لا أعلم، لكنها بالتأكيد لا تعود مهما قمنا بعمليات للتجميل. 

وأنا هنا اذ أورد رأيي الشخصي فإنني أتفهم في الوقت ذاته أنها حرية فردية، وأنه لابد أن شيئا ما من داخل النساء والمجتمع يفسر هذا الإقبال الشديد على العمليات مع أن نتائجها مخيبة، وبالتالي لا داعي للتنظير وفرض الآراء فكل منا يتحمل نتيجة أفعاله، لكنني حقا أفكر وأقول هذا الكلام كنوع من المسؤولية الفردية تجاه المجتمع، فالموضوع ليس محدودا في مظهر هذه أو تلك، وإنما هو انعكاس لتأثير المجتمع على الأفراد، وكم هم مستعدون للتحمل من أجل نيل رضا من حولهم، وإلى أي مدى نؤثر بتعليقاتنا ونظراتنا وتعاملاتنا على حياة من حولنا، وكم فشلنا في زرع الرضا الذاتي في قلوب من نربيهم حتى أصبحوا عرضة للقيام بهذه الإجراءات المؤلمة فقط ليُقبلوا في هذا المجتمع القاسي الذي لا يزال مصراً على الحكم بالظاهر لا بالباطن؟ أترك نفسي وإياكم مع هذه الأسئلة التي ربما تحمل إجابتها التغيير والحل لهذه المشكلة إن جاز التعبير، مع وجوب الوعي الصادق أنه ربما يكون كل واحد منا العلة لهذه الظاهرة وبيده الحد منها..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.