شعار قسم مدونات

السلوك الديني المجتمعي بين النفاق والنفعية

blogs - صلاة
سؤال محير فعلا أن نكون من أكثر الشعوب تشدقا بالأخلاق وننظر لكل شيء بمنظور أخلاقي وديني على اعتبار أن الدين منهج حياة من رب العالمين، لكن الغرابة أن هذا المنظور لا ينعكس على الواقع الواضح في الحياة العامة.

لماذا أصبحنا أكثر الشعوب ازدواجية؟
فمن السهل أن تسمع الوعظ الآن من أحدهم، وأنت تعرف انحرافه الأخلاقي أو المالي أو السلوكي، فترى جُلَّهم يمارس عليك هواية المزايدة والنفاق الديني من خلال (الواتس آب بنظام انشرها ولك الأجر)، ليتحول هذا البرنامج إلى أكبر منصة وعظ في العالم، دون تأثيرات حقيقية على السلوك على الأرض.

لا عجب طبعا أن يتكاثر في بلادنا الدعاة والخطباء والمفتون والوعاظ والمرشدون الأخلاقيون.. والغريب أنه على العكس تماما في الحياة الغربية في مقارنة لنوع الحياة من ناحية الأخلاق، ومع عدم وجود فعلي للدين في الحياة العامة في البلاد الغربية. فالوعاظ ودعاة تهذيب الأخلاق انقرضوا منذ ردح من الزمن، فلا تجدهم إلا في الروايات الأدبية وفترات العصور المظلمة على تلك الربوع في القرون الماضية، فلا دور للكنائس هناك ولا دور للدين في تهذيب الواقع فلماذا إذا تعيش المنظومة الأخلاقية هناك في جمال مبهر مقارنة مع واقعنا الذي يمتلك أجمل منظومة أخلاقية عرفتها البشرية؟

فلو نظرنا في جنبات البلاد العربية والإسلامية، لظننا أن الناس تمارس أعلى درجات الأخلاق والسلوك الراقي. كيف لا وهي تحكّم الأخلاق والدين في كل تصرفاتها. ولو تابعنا الإعلام لاعتقدنا أن شعوبنا لا يمكن أن تقترف أي خطيئة حتى لو كانت قتل نملة.

يستطيع شاب سمع شريط كاسيت عن عذاب القبر أن يذهب إلى هذا المسجد أو ذاك فيبدأ بوعظ الناس وتذكيرهم بعذاب القبر ودعوتهم إلى التوبة عن المعاصي، وقد ينتقل إلى شتم المخالفين.

أنا شخصيا أقع دائما أمام ذهول العجب عندما أسمع شخصا يسأل عن الصلاة في الطائرة مثلا وعن تنظيف كؤوس الخمر أو أحد أواني لحم الخنزير في أحد المطاعم الغربية، وأتعجب أكثر عندما أسمع أحدهم يسأل عن مدى حرمة مشاهدة مذيعات الأخبار ومدى شرعية عمل المرأة وعن شرعية بيع المستلزمات النسائية، ومعارك الاختلاط والنقاب، من يستمع لمثل هذه الأسئلة رغم ارتباطها النسبي يأخذ انطباعاً أن الأخلاق، والالتزام بالقيم والمثل والخصال الحميدة بمفهوم مجتمعي في أعلى درجاته، لكنها للأسف مجرد اجترار لفظي.
 
لماذا لا يلتحم المجتمع بالواقع، بعيدًا عن المثالية المدَّعاة، ويحاولوا حل المشكلات الحقيقية في المعترك بشكل عام.. لماذا أصبحت الممارسات الدينية في عالمنا جزءًا من المشكلة وليست جزءًا من الحل، هل أصبح الدين مصدر سلطة ونفوذ ومال؟

أعتقد أن ذلك أصبح حقيقيًّا، فالوعاظ جعلوا من الدين مصدرًا كبيرًا للاسترزاق وسلطة في الوقت نفسه، فتجد وعاظا ومشايخ يتقاضون أموالاً بالملايين، لبيع ولاءهم ومظلتهم الدينية للحكام حتى يستقر حكم الظلم والنهب تحت اسم الدين وأمثلة ذلك كثيرة للأسف.

ومن ناحية أخرى يستطيع شاب سمع شريط كاسيت عن عذاب القبر أن يذهب إلى هذا المسجد أو ذاك فيبدأ بوعظ الناس وتذكيرهم بعذاب القبر ودعوتهم إلى التوبة عن المعاصي، وقد ينتقل إلى شتم المخالفين…..إلخ، فيوصف بالداعية، وتستضيفه قنوات التجهيل أيضاً، فمجتمعاتنا تفتقر للحدود الدنيا من الوعي، ولهذا نرى أن كل من تحدث بلسان الدين داعية، وفقيه وصاحب مركز للرقية الشرعية وطبيب …إلخ.

فنلاحظ أن هناك طفرة في أعداد الدعاة، فالمهنة تحولت إلى "منجم ذهب"، حيث أصبح بوسع الشخص الذي لا يجد قوت يومه أن ينخرط في هذه المهنة، وأن يجيد اللعب على عواطف الجماهير؛ فيصبح بعد سنتين أو ثلاث من أصحاب الملايين، وربما عشرات الملايين.

مشكلتنا هي موضوعية الواقع فنحن نحتاج فعلا إلى الموضوعية قبل المثالية، لأن المثالية يتم تجاوزها بعد اعتياد وخز الضمير، والدين والأخلاق قناعات وليست حروف رنانة تتزين بها خطب المنابر ويتلاعب بها على عقول الغوغائية والعوام لسرقة جيوبهم وجهودهم ليذكرني حالهم بقصة طريفة لسارق (مؤمن) اقتحم أحد البيوت لسرقتها وقد وجد أثناء (مَهمّته) تلك، نسخة من القرآن الكريم، فما كان منه إلا أن قبّله ووضعه بعيداً عن (ميدان) عمله وواصل رسالته في السرقة بمنتهى الخشوع والإخلاص.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.