شعار قسم مدونات

صفحة "المُقدمة" التي تجاهلناها

Blogs - Books

منذُ كُنا نتجاهل كُتبنا المدرسية.. ونتجنب مشاهد المُجلدات الضخمة التي كانت بمثابة وحشٍ ورقي.. أسأنا فهم الكُتب وعندما وقع بين يدينا الكتاب الأول صدفة، كان على الأغلب متوسط الحجم.. لهُ عُنوانٌ مميَّز، ومقدمةٌ طويلة لم نقرأها أصلًا، كنا نعتقد أن المُقدمة ما هي سوى ثرثرة زائدة من قِبَل المؤلف المصاب بمرض الإسهاب المُزمن لكننا، ولأن هذا ما يكون عليه الأمر دائمًا.. كبرنا، ونضجنا تقريبًا، أو هذا ما يبدو على الأقل، وأصبحنا نتباهى بما نقرأ؛ لأن الكُتب في مجتمعاتنا هي رمزٌ مثاليٌ للعلم والثقافة، أو -بدقةٍ أكثر- أصبحت رمزًا للتباهي.
 

ما زال مُعظمنا لا يقرأ المقدمة، يتجاهل الإهداء.. ويشتري الكِتاب لأن العنوان أوقعه في المِصيدة، كطفلٍ صغير! فمن الجلي جدًا والواضح للغاية.. أن مُستوى الثقافة الأدبية والقراءة بمجملها في الوطن العربي ينحدر بقسوةٍ في منحدرٍ غريب، تسببت به بعض دور النشر اللامبالية، وبعض مؤلفي الكُتب، والكثير من القراء، لا سيما المراهقين منهم والشباب. الكُتب التي تُوصف من قرونٍ أنها منبع الثقافة والعلم والأدب والنهر الذي لا ينضب، والعوالم التي لا تنتهي.. ليس عليها أن تكون هكذا! أداة هدمٍ أو مجرد مُتعة، والقليل جدًا من العلم.
 

ن يكون في المكتبة العربية خمسون ألف كتابٍ لا يعني بالضرورة أن هذا مؤشرٌ جيد.. فربما الجيّد منهم كان خمسة كتبٍ فقط.

القراءةُ مُتعةٌ وعِلم وإثراء معرفي مُتجدد.. إذا لم تجد هذا في الكتاب الذي بين يديك فأنت تفقد جزءًا كبيرًا من قيمة القراءة.. لن أتحدث عن مجالٍ بعينه، فمنتقدي الأدب الروائي كُثُر، لكن المُشكلة هنا لا تكمن في النوع، السنعوسي ورضوى عاشور وخولة حمدي وأيمن العتُّوم مثلًا يقدمون العلم في الرواية، ومن قبلهم فعلها نجيب الكيلاني وغيره من الأُدباء.
 

سواءً كان ما نقرأ روايةً، أو شعرًا، أو كتاب مقالي.. نحنُ نقرأ أفكارًا، ونعيش فيه حياةً أخرى. العقَّاد كان يقول: "أنا أهوى القراءة لأن لدي حياةً واحدة، وحياة واحدة لا تكفيني".. هي حيواتٌ أخرى بالفعل، فمن الأجدر بها أن تكون سليمة، من الأخطاء بمختلف أنواعها، الأدبية واللغوية والأخلاقية!
 

الكاتبُ يكتبُ ليوصل فكرةً ما، أو رسالة!.. أو يشارك قرائه بعض المعلومات في مجاله، أو في غير مجاله، سواءً أوصلها بالشعر أو بالنثر، فعليه الالتزام بقواعد الفن الأدبي الذي اختار أن يوصل به فكرته، وجعله أداة التواصل مع قرائه ..العقَّاد أيضًا قال في كتابه (اللغة الشاعرة) أن الرغبة في تسهيل الأسلوب للقراء ليس سببًا لانسلاخ الكلمات من قواعد الفن الأدبي والانحراف عنها! علينا إذًا أن نفكِّر في الأمر مليًا، نعطيه جزءًا كبيرًا من أوقاتنا.. الكُتب ليس هوايةٍ كالرسم.. الكُتب عليها أن تكون العامل المشترك الثاني بين الناس، بعد الدين.
 

"أنا لا أحب الكُتب" ليست جملةً عادية كعدم حب الموسيقى! إنها مُشكلةٌ فعلية علينا القَضاءُ عليها.. بانتقاء الأفضل دائمًا للارتقاء بمستوى الأدب والفكر العربي.. على الكُتاب أن يكونوا أهلًا لهذه المهمة الصعبة، وعلى القُراء أن ينتقوا الأفضل من بين الرفوف، ويبدأوا في قراءة المُقدمات، وسيفعلون هذا عندما يُدركون قيمة الكُتب، ورائحة الوَرَق. أن يكون في المكتبة العربية خمسون ألف كتابٍ لا يعني بالضرورة أن هذا مؤشرٌ جيد.. فربما الجيّد منهم كان خمسة كتبٍ فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.