شعار قسم مدونات

سباق السلطة وصكوك الغفران!

blogs - انتخابات الجزائر
في حوار صحفي جمعني بأحد أكبر المحامين والحقوقيين في الجزائر والوطن العربي، الرئيس السابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الأستاذ علي "يحيى عبد النور"، وهو المنحدر من أصول أمازيغية بربرية ومحسوب على التيار العلماني، أكد لي أن أول وآخر انتخابات كانت نزيهة وجرت في ظروف لم يشبها التزوير في الجزائر، هي تلك التي جرت في 26 ديسمبر من عام 1991 بعد فتح مجال التعددية الحزبية على إثر دستور 1989، حيث فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تعرف اختصارا باسم "الفيس" في تلك الفترة بالأغلبية الساحقة.

انتخابات كانت بمثابة الضربة الموجعة لحزب جبهة التحرير الوطني الذي كان يمسك بمقاليد الحكم منذ الاستقلال، لكن فرحة هذا الفوز لم يدم طويلا لدى شريحة واسعة من الجزائريين الذين شاركوا فيها بقوة، عندما تم إلغاء تلك النتائج من قبل السلطة، وهو الأمر الذي أدخل البلاد فيما بعد في زوبعة من الأحداث الدامية راح ضحيتها الآلاف، الفيس لم يكن لهم أن يربحوا معركة الانتخابات لولا الأرضية الصلبة التي أسسوها، انطلاقا من القاعدة الشعبية عبر الاستماع إلى انشغالاتهم خصوصا في كبرى الأحياء الشعبية، ولأن البعد الديني هو أهم رواق يمكن أن يؤثر على المستوى الشعبي، كان لقادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ هذا المتغير الذي ساعدهم في كسب ثقة المواطن في تلك الفترة.

الحكم بستة أشهر حبس غير نافذة على شاب دعى إلى المقاطعة عبر تغيير صورة وشعار الحملة الانتخابية من "سمع صوتك" إلى "بلّع فمك".

بعد أكثر من ربع قرن على تلك الانتخابات يعيش الجزائريون هذه الأيام على وقع حمى الحملات الانتخابية للكثير من الأحزاب، لدرجة أنه لم يعد باستطاعتهم تذكر أسمائها لكثرتها من جهة وتشابه أسمائها من جهة ثانية، انتخابات لا ينتظر منها المواطن أي جديد باعتبار العزوف الذي يطبع المشهد الانتخابي كل مرة منذ سنوات، وبالنظر إلى الوعود الكاذبة لدى أغلبهم، أصبح المواطن اليوم لا يثق في المنتخبين ولا في برامجهم إن وجدت.

المتابع لبرنامج الحملة الانتخابية لمختلف الأحزاب التي ستدخل معترك الانتخابات المقبلة يلاحظ العديد من الامور التي تعدت "الفلكور السياسي" إلى درجة وصفت لدى كثيرين "بالمهازل"، أين أصبحنا نشاهد في برنامج أحد الأحزاب المحسوب على السلطة تنظيمه سهرات وحفلات فنية يحييها مغنيين معروفين أمثال الشاب "كادار الجابوني" و"الشابة صباح"..

فيما يذهب برنامج الحملة الانتخابية لحزب آخر إلى أبعد من ذلك عندما يقتحم رئيسه والأعضاء المترشحين تحت لوائه كبرى المرافق الترفيهية والمراكز التجارية من أجل إقامة حملتهم على غرار المركز التجاري "أرديس" الذي أقيم فيه "سيرك عمار" للعائلات، في حين جعل أحد المترشحين من جملة "الرجل الذي لا يغلق هاتفه" كشعار لحملته الانتخابية، وفي عز الحملة الانتخابية يتراشق المترشحون فيما بينهم بوابل من التصريحات ويتبادلون التهم، حيث حتى وإن كانوا يأكلون من نفس "الصحن"، فأحمد أويحيى زعيم الأرندي اتهم جمال ولد عباس أمين عام الآفالان بأنه ليس بمجاهد، فيما رد عليه الآخر بعدم شرعية حزبه ومفبرك وأنه يملك الدليل والوثائق التي تثبت ذلك.
 

لم يفهم السياسيون في السلطة أن المواطن اليوم لم يعد يؤمن بالوعود الكاذبة بل يبحث عن حلول عاجلة وحية، تستجيب وتطلعاته على أرض الواقع.

ثم إن أغلب الأحزاب تركز على ضرورة المشاركة وبقوة في عملية الانتخاب، إذ هناك من خوّن من لا يشارك، ومن يدعو للمقاطعة فإنه يحرك من طرف "أيادي خارجية" ويسعى لزرع البلبلة والتخريب حسب المترشحين، حتى إن بعض المترشحين الذين ينتمون إلى التيار الإسلامي والذين يدعون المعارضة في وقت غير بعيد، كانوا يقرون بعدم نزاهة الانتخابات، اليوم هم من أشد المدافعين عن خيار المشاركة وبقوة في التصويت، في حين وصل الأمر إلى الحكم بستة أشهر حبس غير نافذة على شاب دعى إلى المقاطعة عبر تغيير صورة وشعار الحملة الانتخابية من "سمع صوتك" إلى "بلّع فمك" ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك وتويتر كتعبير منه على عدم مشاركته في الانتخاب.

فيما تحاول بعض الأحزاب السياسية اليوم أن تخطو خطوات "الفيس" في تسعينيات القرن الماضي، من خلال البحث عن صكوك الغفران عبر أحياء وأزقة عاصمة البلاد خصوصا، أين شاهدنا في الأسبوع الأول من انطلاق الحملة الانتخابية إنزالا حزبيا لمختلف الأحياء الشعبية للجزائر العاصمة بالخصوص على غرار باب الوادي وبلكور والحراش والمدنية والكاليتوسو شتى أحياء الولايات الداخلية والساحلية، أما الجزائر العميقة التي كان الأولى بهؤلاء المترشحين النزول إليها فلم يكن وجود لها في برامجها تماما كما هي منسية طوال خمس سنوات العهدة البرلمانية..

الغريب في خرجات هذه الأحزاب أنها لم تلق ذلك الترحيب الذي كان ينتظره المترشحون، بل قوبلت بوابل من السب وموجة غضب خصوصا من طرف عنصر الشباب الذي يعاني البطالة والتهميش.. لم يفهم أصحاب هذه الأحزاب ولا المترشحين أن غياب البرامج التي تعبر عن حال المواطن الجزائري هو سبب عزوفه عن الحياة السياسية والمشاركة في اختيار من ينوبه، لم يفهم السياسيون في السلطة أن المواطن اليوم لم يعد يؤمن بالوعود الكاذبة بل يبحث عن حلول عاجلة وحية، عن سياسات وبرامج تستجيب وتطلعاته على أرض الواقع..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.