شعار قسم مدونات

رحلة مع "أدهم الشرقاوي"

blogs- أدهم شرقاوي
أترصد هلال قلمه اللامع في فضاء الكلمات، أهنئ كل يوم هذا العالم الخريفي الذي تتساقط منه ورقات القيم والحب بقدوم الربيع، وعندما أختار أن أكتب عنه فأنا برضاي أضل الطريق، سيهوي الحرف في قاع المنتهى، لن أرى من شقوق المعاني إلا كلمة يتيمة تستغيث بمواجد فهمي لتقول "أدهم وكفى"، لذلك لا تسألوني لم أدهم وليس غيره؟ 

الإجابة كامنة في كتبه، راسخة في اسمه، معلومة عند آخر مدوناته، متوهجة كنور الصباح، منسدلة كخيوط الليل حيث الهدوء و الانشراح، نابعة من سقياه، لذلك بمداده سأجمع حطب الفنون من غابات اللاشيء لاشعل نارا سينادى عليها من سماء الابداع: "أن بورك من في النار وحولها"! دقت أجراس الرحلة، شاهدوا فجر هذه الومضة الخاطفة التي رادها أدهم في كوكبه الشرقاوي.

سمعت صرير قلمه وهو يرسم لافتات الوعي على الرصاص والمدافع، لمحت الهزيمة في معركة ليست فيها حبيبته، أخذني نزال الحرب والحب، حيث كان الحب غريزة البقاء الوحيدة.

هناك وعلى ذاك الكوكب الذي لم تطأه قدم بشر من قبل، جال قلبي حول ربوع الجمال مع كل كتاب ورواية ميزت "أدهم الحقيقة " عن بضاعة مزجاة أحرفا معدودة باعها عباد الوهم في سوق الكلمات الرخيصة! هنا على أرض موات اسمها "الجهل" ركب أدهم حصان الحق وقاد به حشود التقليد إلى فتح البصيرة، منحهم خريطة البحث عن نبتة الإنسانية التي تقع في علياء الفضيلة، استهوتني نسمات صدقه العليلة، تنفستها مع كلمة نارية تغار على معاني الوحدة والتكامل لهذه الأمة، عباراته وكأنها أعادت من فم الموت علم الحياة، ومن ذبول الحيرة ميعادا للشعور النبيل، ومن طبول الحرب نبضا ينادي "حي على السلام "!

سمعت صرير قلمه وهو يرسم لافتات الوعي على الرصاص والمدافع، لمحت الهزيمة في معركة ليست فيها حبيبته، أخذني نزال الحرب والحب، حيث كان الحب غريزة البقاء الوحيدة التي يعطش اليها المحارب في فقر الإحساس وثورة الجهل، عندها تأذن الدمار صارخا أيها القتلى والناجون كلكم أعداء للحرب! كنت أتأمله تارة وهو يكتب ماسكا ريشة يقطر منها جد وهزل كلونين للصفاء وتارة أخرى أمد ناظري من زجاج المركبة إلى البلاد البعيدة التي يطول فيها نصه وينتهي أخيرا ببداية جديدة!

 أفقت ذات سطور على شيء اسمه الحب، خلعت نعلي ودخلت الى حديقة العشاق، شمس الشوق ساطعة، منطقة الحب بلا منطق، الحبيب فيها يجادل ثوب الصلاة، ويرجم المسافة ليقول لحبيبته: تبا كم أحبك! القتل فيها حلال على يدي عينين أو شفتين، والسكر مباح عندما يذوب القلب مخمورا من سكر يمشي تحت الماء، الأدهم فيها غارق في منطقة اللاوجود عند زوبعة الهيام، تقرأه غجرية وتكشفه باقة ورد سحرية، كل ورداتها تتهافت عليه لتقول: "أنت وطن الحب في أكفانك الحانية"!

ما أحلاه من حديث تناقله الصباح على مسامعي، كنت أصوت للاختلاف لتتنوع الأذواق وأنتشل من ضمير الفهم أشواكا عابثة، كنت مصرا على إتمام الجولة حتى المساء لأتنغم بعبير الهدوء على مرافىء أدهمية، مرافيء يقام فيها حفل من أنغام يقارع فيها العقل الأوهام، ويصرخ عاليا أنه إنسان، هكذا هو أدهم يسانده حتى القمر الدوار!

شهدت الولادة القيصرية التي أخرجت وطنا محتلا، وقع عليه العدو وصافح باسمه أخ شقيق ثم اتفقوا وبنوا له مقبرة، رحبت بي حكايا المقاومة، وعبرت بهوية فلسطين قارات العزة وانا ألوح "هنا القدس".

لم يتبقى لنهاية الرحلة إلا القليل، تلون الأفق بحمرة واصفرار، كان أدهم يريني شموس وطنه ذاك الذي يتلألأ على بساط الكرستال، حدثني عن جلوسه بين يدي الجدة، كان ينصت كأنما على رأسه الطير، رأيت قلم الشموخ ومداد الورد في القرية، عبرت معه مجرة الحكمة، سطرت من أعلى المنافذ كلمة "الكفن"، شهدت الولادة القيصرية التي أخرجت وطنا محتلا، وقع عليه العدو وصافح باسمه أخ شقيق ثم اتفقوا وبنوا له مقبرة، رحبت بي حكايا المقاومة، وعبرت بهوية فلسطين قارات العزة وانا ألوح "هنا القدس، اسمعني من جباليا وسجن غزة "!

كنت طليقا حرا مثل النطفة التي خرجت من سجن الاحتلال إلى نور البداية، لم تنل مني أغلال الأسر، البنادق تضخ بقلبي الدم بدل أن تقتل، العبوة الناسفة التي وضعوها بطريقي فجرت عيونهم ولم تشتت أشلاء عزيمتي، وقفت مبهورا وأنا أرى "الأمل" يولد من الفراق الأسود، يطير حيا بعد استشهاد الملايين، كان العرض مباشرا من أرض فلسطين، "انتظرالجد حفيده ليتجمع نطفة بعد أن فرقوا روحه في كل جيل، حمله من لفة الدم ومن صولة الأنين، ألقى في مسامعه إرث أرض مغتصبة، هيأ له مهدا من الخنادق وعلمه بيومه الأول أن يفتح فجوة من الظلم ليحادث المسجد الأقصى ويباغت الليل بأنه مقاوم جديد ببدلته العسكرية، حمل سلاحه من المهد إلى ميدان التحرير!

صنعني وطنك يا أدهم، كنت النطفة والغضب، الدم وصوت الأسير، على جرة قلمك شققت باطن الأرض لأستمر في المعركة كنت حجارة بيد الدرة، كنت شفقا بعيني أحمد ياسين، فتحت صدري لأستقبل الموت قبل أن يطلبني، على أوتار الحب رفرف قلبي فكانت نهاية الرحلة أن استشهد، لا تضع نقطة، لا زلت حيا أطالب بالمزيد!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.