شعار قسم مدونات

حديثٌ على الهامش العربيّ

blogs - حرب سوريا
أرواحنا، أجسادنا، أحلامنا، وحتى ألعابنا أصبحت حلالاً ومباحةً للأعين، طفولتنا التي ترمى على جنب الطريق باتت مادة إعلامية لا أكثر، ونحن تحولنا لآلات تسجيل لا تحمل أي مشاعر أو قلب، ترى الموت حولها يدنو منها كل يوم وهي تنظر إليه فقط، تحفظ تواريخه وأحداثه. وحينا قد نحاول السير مطلقين ألسنتنا في دفاع عن طفولتنا المتناثرة بين الأقدام كأنها أوراقٌ وأعدادٌ وإحصائيات أو دفاعاً عن عروبتنا التي تحيا تحت الرحمة منتظرةً العطف عليها باللجوء، أو بمساعدة يُمن علينا بها، مما يجعل رؤوسنا تزين بالعار، ويدفع ألسنتنا للصمت ويصبح آخر ما نملك هو النحب والندب.

وها نحن في واقع جردنا فيه بكل ما لدينا من قوة وما بقي من أجزائنا المتناثرة هي تعداد سُكاني ليس إلا، فسيوفنا علقت على المشانق، والأغلال سقطت في يديّ كل حرٍ منا، وأصبحنا فريسةً لتلك الذئاب تتسابق على من سوف يمارس حقه في افتراسنا.. لنعيش على هامش الحاضر البشري ويُنظر إلينا بتصنيفاتٍ كعالم ثالث لا أمل للنهوض به.

في الحديث عن تاريخ الشام، روحها وأصلها الذي كان يولد هناك، وقد أصبحت بقعة كبيرة تلوث باقي صفحاته، فالتاريخُ بات يسجل أحداث قيام استعراض عسكري فريدٍ من نوعه حديث الحلة والمظهر ولكن عريق في قدمه، ففي منافسة بين الاشتراكية والرأسمالية تُقام هناك لإبراز القوة والجأش أو كعرض مسرحي يود أبطاله تقديم تجربةٍ حية لأنواع الأسلحة الجديدة لديهم باستخدامنا فئران تجارب.

نحن جميعاً كأمة واحدة على شفا حفرة لا نعي متى ستكون نهايتنا، نقف متفرجين على من يسقطون منا، لا نمد لهم الأيدي خوفاً على أنفسنا من السقوط معهم في تلك الحفرة، فنتركهم ونسير باتجاه معاكس.

في لعبة الشطرنج تلك التي نحن لسنا سوى الرقعة فيها، نحاول إطلاق صرخاتنا هناك من تحت أحجار اللعب ما كان من الأخوة الذين أطلقنا إليهم النداء إلا أن يجدوا جهة ومكانا مناسبا للاصطفاف به بين المتناحرين وأما بالنسبة لنا فقد كنا وحيدين تماماً نُقاتَل ولا نُقاتِل، وما تبقى من جثثنا لا يزال ينادي عليكم لا لتساندونا، ولكن لتواروا سوءاتنا الملقاة على الطريق في تراب لا أكثر.

إن الموت بما يتعلق بالعروبة يهاجمها بجميع أشكاله، فقد أطلق نيرانه عليها من كل جانب، في غزة ما تشكل بأنواع الموت حصاراً، قهراً، أو قصفاً ما عاد يذكر، فقد خيم هناك منذ زمن وما يذكر حقا هو الموت جوعاً من ظلم الأقربين، حيث تمنع الرواتب وتغلق المعابر، ويقصف البيت مراراً، ومع ذلك لم يرحل الصمود عن وجهها.

أما من تبقى من الأقربين فإما يعيشون النعيم والبذخ في ديارهم مقيمين ترتاح أرواحهم في مكان دافئ أو باتت تهدم مساجدهم وكنائسهم على رؤوسهم، فالإرهاب المصطنع في العصر يسير في إطار جديد ليس الفرقة والتفريق وإقامة حروب أهلية ودينية، فهذا الموضوع أصبح منتهياً والعرب كل يغني اللهم نفسي، بل إنه يتجه نحو قطع الخيط الرفيع الذي لا يزال يربطنا بالحياة يريد تمزيق ثقة الإنسان وعلاقته بربه فالله الواحد الذي يجمعنا هدفهم النيل مما تبقى من روابطنا معه بتخوفينا من الدين وترهيبنا من بيوت الله فهو لم يفرق أدياننا ومذاهبنا، ما همه الآن أكثر هو تديُننا يريد تحطيمه إما بالتخويف منه أو به.

ونحن جميعاً كأمة واحدة على شفا حفرة لا نعي متى ستكون نهايتنا، نقف متفرجين على من يسقطون منا، لا نمد لهم الأيدي خوفاً على أنفسنا من السقوط معهم في تلك الحفرة، فنتركهم ونسير باتجاه معاكس نسمع صراخهم وألمهم، ولكنا نصم آذاننا ونكمل السير مبتعدين عنهم متناسين أن ثمة إعصارٌ يتجه صوبنا مسرعاً لتختلف الطريقة وتجمعنا النهاية، تلك التي لن تتغير حتى نؤمن أن الوقت آن لاسترداد عهود الأخوة التي كانت بيننا وألقيناها في مكب النفايات بين كل تلك الأوساخ لسنين تنتظر دورها بالفرز وتعيش على أمل إعادة تدويرها، كم أتمنى أن نبحث عنها ونأخذ حينها بيدها وننهض بها من جديد، وأن لا نجد علبة مسكن في الطرق فنأخذه بدلاً عنها، كما نفعل من ألف عام مضى نختار موتاً صامتاً تحت أثر التسكين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.