شعار قسم مدونات

لمن يسأل عن إصلاح التعليم

blogs التعليم

بات الضعف في منظومة التعليم العربية واضحة آثاره، فَلسْتَ بحاجة لأن تكون خبيرا تربويا لتلحظ الأمر، فالخلل جلي يراه المعلم في صفه، وولي الأمر في بيته. ويمضي كلاهما الحديث حول هذا الأمر كلما سنحت فرصة تجمع بينهما، لعلهما يصلان إلى حل يغير من الواقع شيئاً.

وعلى طاولة وزارات التربية والتعليم، وضعت الحلول والخطط الهادفة لتطوير جودة التعليم، فنفذت مشاريع تهدف لتأهيل المعلم تربويا ومهنياً، ليصبح أكثر قدرة على إدارة الصف، سواء كان ذلك من خلال التأهيل الجامعي أو الدورات التدريبية التي يُلزمُ المعلمُ بحضورها. وأعيدت كتابة المقررات الدراسية، والمناهج التربوية لتتماشى مع متطلبات العصر كما يقال. بل وطرحت في الجامعات مساقات جديدة حول أساليب التدريس والنظريات التربوية الحديثة. 

ووضعت خطط للأنشطة اللاصفية، وفُتح الباب بشكل أوسع أمام مشاركة الطلاب فيها وذلك توسيعا لمداركهم. وعقدت ورش عمل لا عد لها ولا حصر، بين المعلمين، والتربويين، والوزارات، بل ودعي أولياء الأمور للمشاركة فيها.  وظهرت العديد من المؤسسات الأهلية المختصة بشؤون التعليم وتطويره. وفي مرحلة متقدمة، أدخلت أساليب ووسائل التعليم التكنولوجية إلى الصفوف، لتطوير أساليب التدريس من جهة، ولتتماشي مع التطور التكنولوجي السريع من جهة أخرى. 

إن تطوير التعليم والرفع من مستوى جودته، لن يكون إلا عندما يجمع النظام السياسي بين التربية والتنمية. فمعادلة نجاح أي نظام تعليمي، تكون عندما يلتقي ضلعي المثلث: التربية، والتنمية على قاعدة النظام السياسي

لكن هذه الحلول والخطط لم تغير من الأمر كثيراً، بل عاما بعد عام، بات الضعف يزداد. فنادى البعض بإعادة الزمن للخلف، وطالب بأن تلغى القوانين التربوية الجديدة، التي أعطت الطالب مساحة أوسع على حساب مساحة معلمه، ونودي بإعادة هيبة المعلم وتغليظ عصاته ليعود التعليم لسابق عهده. وربط آخرون بين دخل المعلم وجودة التعليم، وألقى آخرون باللوم على التكنولوجيا التي سلبت عقول الطلاب. فزادت الحيرة، وبقي السؤال قائماً: كيف لنا أن نحسن من جودة التعليم؟ وما زال البحث عن الإجابة مستمراً.

لكن هذا البحث ما زال في نفس المستوى، أو داخل نفس الصندوق، فتارة يقال الطالب، وتارة المعلم، وتارة المناهج. وكأنه لا يراد لنا أن ننظر لمستويات أخرى. لأن حقيقة الحل لمشكلة التعليم في الوطن العربي ليست داخل أسوار المؤسسات التعليمية، بل هي في المستوى السياسي؛ ومن هنا نبدأ. 

إن تطوير التعليم والرفع من مستوى جودته، لن يكون إلا عندما يجمع النظام السياسي بين التربية والتنمية. فمعادلة نجاح أي نظام تعليمي، تكون عندما يلتقي ضلعي المثلث: التربية، والتنمية على قاعدة النظام السياسي. فالنظام السياسي هو الجهة المسؤولة عن التنمية في أي بلد، والتربية والتعليم الوسيلة الأهم لتحقيق التنمية، فإذا لم يتدخل النظام السياسي ويوجه مؤسسات التعليم نحو الأهداف التنموية التي وضعها لنهضة البلاد فلن تحدث التنمية، وبالتالي لن يتطور التعليم لأن النظام السياسي لم يتدخل به ويربطه بالأهداف التنموية، ولم ويوجهه اتجاه نهضة البلاد، بل تركه ناقصا غير موجه، لا يخدم الا أهدافا تعليمية محدودة الأفق، لا أهدافا تنموية استراتيجية.

أما عندما يُوظف النظام السياسي التعليم لتحقيق التنمية، ويحدد ماذا يريد من أبنائه أن يحققوه للبلاد بعد 16 عاما من دخولهم للصف الأول، هنا سيحدث الفرق، وسنلاحظ التحسن في جودة التعليم، وسيتحقق الرضى عن مخرجات التعليم لأن أهداف التنمية التي حددها النظام السياسي آخذة بالتحقق على أيدي أبنائه الذي درسوا في مدارسه.

وهكذا سجلت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أمثلة يحتذى بها عندما تدخلت النظم السياسية في تحديد الأهداف التعليمية، فاليابان تقدم اقتصادها عندما وجه النظام السياسي النظام التعليمي فيها نحو المدارس الصناعية وكليات الهندسة للنهوض بالاقتصاد. وكذلك كوريا الجنوبية التي خرجت من الاحتلال الياباني مدمرة بالكامل، ما وصلت إلى ما وصلت إليه إلا بعد افتتحت مدارس صناعية أكثر من المدارس العادية.

 

الدول العربية المحتلة تحتاج إلى نظام تعليمي موجه نحو الحرية، ونحن بحاجة للنهوض بالاقتصاديات العربية الفقيرة، وحل مشاكل الأمية، وبحاجة إلى أخلاقيات حرمنا منها قصراً مثل ثقافة الانتخابات واحترام نتائجها

وفي ألمانيا نفس الأمر إذ وجهت المدارس نحو اعداد مهندسين ينهضون بالدولة الممزقة بين الدول المنتصرة. وخلال الحرب الباردة كان تقرير (أمة في خطر) الذي أمر بإعداده الرئيس الأمريكي رونالد ريغان عام 1983م حدثًا بارزًا في تاريخ العملية التعليمية الأمريكية الحديثة؛ إذ ساهم هذا التقرير في النمو الذي لم يحدث قبل ذلك مطلقًا (ولا يزال موجودًا)، وحقق لهم التقدم الذي أرادوه على الاتحاد السوفياتي.

أما عن الحال في الدول العربية، فلكي تنهض بنظامها التعليمي، عليها أولا أن تحدد احتياجاتها التنموية؛ وأول هذه الحاجات هي الحاجات المرتبطة بالمحافظة على الموروث الأخلاقي والعادات والتقاليد والثقافة العربية، وهنا أكبر مشاكل النظم التعليمية في الوطن العربي، إذ بسبب عداء الأنظمة السياسية في الوطن العربي للهوية الإسلامية، حوربت الثقافة العربية، لأن الإسلام هو المشكل الأكبر لها، وللأخلاق والعادات والتقاليد العربية، لذلك باتت المدارس تخرج جيلا مسخا، لا علاقة له بالثقافة أو القيم أو الاخلاق العربية. 

فكيف لنا أن ننهض بأمة يحارب نظامها السياسي والتعليمي من خلفه هوية أبنائه الطلبة!! ولنا في المعلمة الجزائرية (صباح بودراس) خير مثال. إذ أوقفت عن العمل، وشكلت لجنة تحقيق بحقها لأنها افتتحت العام الدراسي مع طلابها بتسجيل مصور هتفوا فيه: "هذا العام عام العربية.. ولساني لن يكون إلا عربياً".

وأضف إلى ما سبق، حاجة الدول العربية المحتلة منها إلى نظام تعليمي موجه نحو الحرية، وكذلك حاجاتنا للنهوض بالاقتصاديات العربية الفقيرة، أو حاجاتنا لحل مشاكل الأمية، وحاجاتنا لحل أخلاقيات حرمنا منها قصراً مثل ثقافة الانتخابات واحترام نتائجها، وثقافة الاصطفاف بالدور، وغيرها الكثير من السياسيات التعليمية التي ظلمتنا النظم السياسية الحاكمة عندما تجاهلت قصداً حاجاتنا الكبيرة لها لتحقيق التنمية في بلادنا وتحويل نظمنا التعليمية من نظم فارغة إلى نظم موجهة نحو أهداف تنموية كبرى.

خلاصة الكلام، لن يحدث التغيير المأمول في أنظمة التعليم العربية إلا عندما ندرك أهمية دور النظام السياسي، في الدمج بين التربية، والتنمية. فتطور مخرجات العملية التعليمية لن يحدث إلا بمصالحة بين النظام السياسي والنظام التعليمي، وبمعنى أدق سيتطور التعليم عندما يحدد النظام السياسي الحاكم ماذا يريد من التعليم أن يقدم للدولة التي يرأسها. أي أن يضع النظام السياسي أهداف التعليم. عندها توضع خطة استراتيجية للتنمية، بناء على حاجات الدولة لتنفذها مؤسسات التربية. أما إذا لم تحصل هذه المصالحة، فكل الإجراءات الإصلاحية والتي سبق وأشرنا إليها في الجهاز التعليمي لن تكون حقيقية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.