شعار قسم مدونات

تاء ليست مربوطة

blogs - woman

علمونا أنّه في غَمرة العاصفة؛ النبتة الصلبة غير القابلة للانثناء هي الأكثر عرضة للتهلكة، في حين أن تلك الهشَّة تنجو قدر ما قررت أن "تلتوي" و"تنثني" وتطاوع الريح وتهاودها، ربما كان هذا المفهوم جديرًا بالتعميم أكثر، ربما كان معبرًا عن موقفنا نحن النساء في الحياة بشكلٍ عام، وفي مجتمعنا العربي بشكلٍ خاص، فكلما كانت المرأة أكثر صلادة وثباتًا كلما قلَّ قدرها ورُوهِنَ على أنوثتها، في حين أن الأخرى مثبتةٌ أنوثتها؛ فقد شوهدت عدة مرات تنحني حتى أصبحت الأنوثة تقاس بمقياس المرونة والتسامح السلبي، ومدى قدرتكِ على مشاهدة تبخر أحلامكِ واستنشاق الرائحة بابتسامة رضا هي أيضًا مقياس لأنوثتكِ، بل ولقدرتكِ على أن تكوني زوجة وأُمًّا ورفيقة درب.

 

بقدر القوة هناك بُحورٌ مِنَ الاحتواء والحُبِّ والتضحية، فقط عليك أن تستحقها، واعلم أنه لأن تُرَوِّضَ امرأةً قوية؛ لَنصرٌ وفتحٌ أشرفُ مِن أن تخضع لك ضعيفات الأرض كلهن.

الحقيقة أن الرجل يُخلق ومعه حاجته للشعور بالتفوق والسَّبق يحملها على أكتافه كرديء عمله، ولا جُناح عليهم ولا حرج في ذلك فلهم القوامة كما نصَّ ناموسُ الكون منذ الخليقة، ولم أر رجلًا سويًا خلت أكتافه من مثل حاجة، ولا امرأة سويَّة كانت لتكره ذلك، وإحقاقًا للحق فإن اكتمال الكل بالجزء لا يُنقِصُ من قدر أيٍّ منهما شيئًا.

 

ولكن علمونا أن الاستناد لحيطٍ مائل والتعلق بقشةٍ هو الخيبة بعينها، وأن ظل الرجل وظل الحائط سيان إن استويا واستوى أثرهما، وأنا لا أكذبك قولًا ولا أخفيك سرًا قد يكفيك العمر كله، أن تكون حائطًا لا أكثر من ذلك، ولتجد من تتغنى بك وتحسبك -على قصورك- نصرٌ عظيم وفتحٌ مبين، ولكن احذر أن تتوكأ عليها فتنثني هي كما اعتادت وتسقط أنت.

 

المرأة القوية كما يسميها الأكثرية، والمرأة الحقَّة كما أحب أن أُسميها أنا، لا تنثني لتثبت لك أنك الأعلى، ولا تخفض رأسها وتحني ظهرها لتعلو هامتك أنت دون جَهدٍ ودون وجه حق، تنثني أحيانًا وتميل راضيةً لأنها وجدت فيك ما يُثنيها عما اعتزمت هي، وجدت في ثنايا عقلك نبراسًا لها إن اتبعته لا خوف عليها ولا ضلال لها، ووجدت في قلبك مُتسعًا وعطاءً لا ينضب إن لم يبق سواه فهو أكثر من كافٍ، وجدت فيك أبًا مرشدًا ورفيقًا سامعًا وحبيبًا مدللًا، باختصار وجدت فيك من يجعلها تعلو ولا يخجل أن يصفق لها، ومن ثَمَّ يعلو هو فوقها حاميًا ومرشدًا بحصافته وحنكته وشموله، لا بدرء طاقتها ومصِّ دمائها، فقل بالله عليك لِمَ ستقاتل هي-آنذاك- على القوامة وتحمل لواءها؟!

 

وأنا لا أنفي عن بعضنا إدمان القيادة، وعن بعضكم اقتراب حدّ الكمال، ولكن إن أردتَ أن تقم فكن جديرًا بالقوامة وأهلًا لها، ولتسعَ للتوجيه لا التوبيخ، ولتُرِها أن كل خطوةٍ تسبقها بها إنما لتشدَّ بيدها إليك لا لتُلَوِّحَ لها من بعيد وتعايرها، لا لَتَعِزَّ أنتَ بِهَوانِهَا، وأنَّكَ قائدٌ باحتوائك قبل أيِّ شيءٍ آخر.

 

انظر لها كشراعٍ في قاربك لا كمجداف، وأعلم أنها إن أحبَّتكَ وارتضتك؛ كانت جُلّ قُوَّتها وعِظَمُ بأسها مُسَخَّرَةً لنصر بطلها وخدمته، وأنَّ المرأة الكريمة إذا استزادت استزادت في كل شيء، فبقدر القوة هناك بُحورٌ مِنَ الاحتواء والحُبِّ والتضحية، فقط عليك أن تستحقها، واعلم أنه لأن تُرَوِّضَ امرأةً قوية؛ لَنصرٌ وفتحٌ أشرفُ مِن أن تخضع لك ضعيفات الأرض كلهن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.