شعار قسم مدونات

الشباب التونسي والبحث عن الوطن والدولة

blogs - tunis

دائما ما أتساءل وتراودني هذه الفكرة، وأحيانا أخبر بها بعض أصحابي فينالني بعض السخرية والوصف بالجنون. الفكرة هي ماذا لو أن هذه الدولة التي تخلت عنا نحن الشباب أبناؤها كما تخلى ذاك الأب عن أطفاله في صغرهم وحال ضعفهم وهم أحوج ما يكون إليه، والذي لم يكن قدومهم إلى هذه الدنيا رغبة منه فيه، ولكن على كره منه وغلبة أمر، ليعود إليهم بعد ما اشتد عودهم مطالبا إياهم بما لم يقدمه إليهم يوما من النفقة والرعاية. كذلك دولتنا التي وضعت سياسة تحديد النسل ولم تشأ قدومنا إلى هذه الدنيا من خلاله في الوقت الذي تشجع فيه دول أخرى على تحسين النسل وزيادة الإنجاب إيمانا منها ويقينا أن أعظم ثروة بيد الدول يمكن استثمارها لتقوم عليها الحضارة هي الشباب النابض بالحياة.

 

إذا اجتمعنا نحن الشباب وعملنا سويا سنبني أعتى الأمم ونشيد أعظم حضارة وأقوى دولة، ولن نخضع لأحد فنحن نأكل ما نزرع ونلبس ما نخيط وليس لأحد سلطان علينا وكل ثروتنا لنا فقط.. فهل لدولتنا الموقرة أن تهبنا أرضا لكي نرحل؟!

ماذا لو أن دولتنا الموقرة التي لا يزال تاريخها موغلا في الحضارة والتي مر على تأسيس نسختها الحديثة الحداثية أكثر من نصف قرن؛ لم يزدد فيه أبناؤها إلا بؤسا وحرمانا ومنها إلا جحودا وخذلانا. والتي أعيتنا وأعييناها، وحبستنا فلا هي أطلقتنا ولا تركتنا نأكل من خَشاش الأرض، بل بذلت ما في وسعها لتفتح علينا أبواب الجحيم قبل أوانها وتركتنا مُعَذَّبينَ في الأرض، ثم حطَّمت كل آمالنا واغتالت كل أحلامنا لتموت أرواحنا قبل مفارقتها أجسادنا.

 

ماذا لو أن دولتنا التي لم ترغب يوما فينا ولم تفرح بقدومنا إليها وَسَعَتْ في دفننا أحياء.. لو أنها وهبتنا قطعة منها نجتمع فيها نحن الشباب ونهاجر منها إليها ولا نسألها بعدها شيئا؟ ماذا لو أنها فعلت ووهبتنا كما وهبت "لعليسة" أرضا لا تعدو ما حاز جلد ثور أو كالتي وهبتها أمريكا للـ"أميش" أو التي وهبت لرهبان إيطاليا؟

 

لتتركنا فيها نحيا بسلام فقط نحن الشباب الذين أثقلنا كاهلها ولم تعد قادرة على حملنا، فلا هي تزعجنا ولا نحن نرجو منها شيئا أو نطالبها.. سنزرع أرضنا بأيدينا ولو كانت بورا ستنبت لو كانت صحراء ستخصب فلا أظنها إذا تعهدناها تكون جاحدة ولا أظن السماء تمسك عنا القَطْر، سنأكل ما نزرع ونلبس ما نخيط ونركب ما نصنع ونبني حضارتنا بأيدينا نحن الشباب.. ولن تكون هناك ضرائب تثقل كاهلنا ولا نهبٌ لثروتنا ولا قوانين تُكبِّلُنا.

 

أترانا إذا اجتمعنا وعملنا سويا ألن نفلح؟! أترانا يكون حالنا أسوأ؟! أترانا بعد نصف قرن لن نبني دولة قوية معتمدة على ذاتها مقررة لمصيرها؟ أتراها تكون دولتنا أسوأ حالا من هذه الدولة التي ننتمي إليها؟! أترانا إذا فُتحت لنا السبل ومُهِّدَت لنا الطرق لن ننجح؟! أترانا يبقى بيننا فقير أو بائس؟!

 

بلى، إذا اجتمعنا نحن الشباب وعملنا سويا وخططنا سنبني أعتى الأمم ونشيد أعظم حضارة وأقوى دولة ولن نخضع لأحد فنحن نأكل ما نزرع ونلبس ما نخيط وليس لأحد سلطان علينا وكل ثروتنا لنا فقط.. فهل لدولتنا الموقرة أن تهبنا أرضا لكي نرحل؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.