زارني صديقي، وهو شاب عشريني ناجح بكل المقاييس، أخبرني بأنه مصاب بالحيرة بعد أن قرأ كتاباً عن الاكتئاب، وفيه اختبار بسيط يُطلَبُ فيهِ منَ القارئ أن يجيبَ على مجموعةٍ من الأسئلة، وبناء على هذا الاختبار تبيّن له أنه في الغالب مصابٌ بالاكتئاب، وقد سألني إن كان بوسعي مساعدته!

 

مراجعة طبيب نفسي
فيما تعامل الطب قديماً مع مرضى الاكتئاب على أنهم مجموعة من الأشخاص الضعفاء المهزومين الذين يلزمهم الوعظ، يعرف الطب الحديث الاكتئاب على أنه اختلال في نواقل عصبية في الدماغ، وبالتالي فإن الطريقة الاحترافية للعلاج تكمن في التشخيص السليم للمريض، ومن ثمّ اختيار العلاج الطبي المناسب له، وبعد ذلك متابعة البرنامج العلاجي له من قبل طبيب نفسي.
 

الاكتئاب مرض مزمن
إن الفهم السليم طبياً للاكتئاب يجعلك تتعامل مع مريض الاكتئاب تماماً كما تتعامل مع مرضى الأمراض المزمنة كمرض السكري وارتفاع الضغط، وكما أنه من الحمق أن تنصح مريضاً بالسكري بتناول المنتجات العشبية للسيطرة على مستويات السكر في الدم، فإنه من السذاجة أن تطالب مريضاً بالاكتئاب المزمن بتغيير نظرته للحياة كوسيلة للعلاج.

 

زارني صديقي، وهو شاب عشريني ناجح بكل المقاييس، وقد سألني إن كان بوسعي مساعدته، وقد أجبته بكل وضوح وصراحة: أرجوك يا عزيزي، راجع طبيباً نفسيّاً..
 

هل الاكتئاب دليل على قلة الإيمان
قد يكون الإيمان عاملاً في تقليل عرضة الإنسان للإصابة بالاكتئاب، لكن هذا لا يعني مطلقاً أن الاكتئاب دليل على قلة الإيمان، فكما أنّ ممارسة الرياضة تقلل من عرضة الإنسان للإصابة بارتفاع مستويات الدهون في الدم، فإن هذا لا يعني مطلقاً أن كل شخصٍ مصاب بارتفاع مستويات الدهون في الدم هو شخص خامل لا يمارس الرياضة.
 

أرجوك.. تجنب الوعظ 
درجت العادة على تقديم الوعظ للمصابين بالاكتئاب، وهذا يكون مفيداً فقط إن تمّ تقديمه من قبل معالج نفسي متخصص، أما تقديم الوعظ العشوائي فقد يكون مثالاً على الرعاية الخاطئة التي تضر المريض وقد تسهم في تدهور حالته.

 

زارني صديقي، وهو شاب عشريني ناجح بكل المقاييس، وقد سألني إن كان بوسعي مساعدته، وقد أجبته بكل وضوح وصراحة: أرجوك يا عزيزي، راجع طبيباً نفسيّاً.. وإن نصحك بمراجعة معالجٍ نفسيٍ (وهو الشخص المؤهل لتقديم الدعم لك)، فلا تتردد في زيارته والمضي معه قُدُماً في خطة العلاج.
 

أعراض الاكتئاب
بالرغم من أن تشخيص الاكتئاب يحتاج إلى طبيب، إلا أن معرفة الأعراض العامة للاكتئاب قد يسهم في إرشاد المصاب وتوجيهه إلى مراجعة الطبيب في مراحل مبكرة من الإصابة، ومن الممكن أن يكون الشخص مصاباً بالاكتئاب إن كان يشكو من خمسة أعراض على الأقل من الأعراض التالية بشكل يومي:

1. مزاج مكتئب وعصبي معظم اليوم.

2. انخفاض الرغبة والمتعة في معظم الأنشطة اليومية.

3. تغيرات واضحة في الشهية والوزن زيادةً أو نقصاناً.

4. تغيرات واضحة في النوم كالأرق، أو الزيادة في النوم.

5. تغير واضح في النشاط.

6. التعب الشديد وفقدان الطاقة.

7. الشعور بالذنب.

8. عدم القدرة على التركيز وشرود الذهن.

9. التفكير في الانتحار، أو إعداد خطة لذلك.

 

زارني صديقي، وهو شاب عشريني ناجح بكل المقاييس، وقد سألني إن كان بوسعي مساعدته، وقد أجبته بكل وضوح وصراحة (بعد أن لاحظت أن معظم أعراض الاكتئاب تنطبق عليه): أرجوك يا عزيزي، راجع طبيباً نفسيّاً.. وها هو اليوم يتناول دواء خاصاً بالاكتئاب، ويراجع طبيبه بانتظام، وهو كملايين البشر المصابين بأمراض مزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم، مصاب بمرض مزمن اسمه الاكتئاب، وهو -كما هم- مطالب بمراجعة طبيبه باستمرار، وتناول العلاجات بانتظام، واجراء الفحوصات الدورية اللازمة.