شعار قسم مدونات

مَسْقَط.. مجتمع السِلم

blogs - oman

في سنة 1693م زار مسقط الرحالة البريطاني "جون أوفينجتون" وكان معجباً بأخلاق أهل عمان فقال فيهم: "هؤلاء العرب مهذبون جداً في تصرفاتهم، وفي غاية اللطف إلى كل الغرباء، فلا أذى ولا إهانة يمكن أن تصدر منهم لأي أحد، ومع أنهم معجبون بدينهم ومتمسكون بمبادئهم؛ فإنهم لا يفرضونها على أحد، وبإمكان المرء أن يسافر مئات الأميال في هذه البلاد دون أن يواجه أي كلام مسيء أو أي سلوك قد يبدوا وقحاً".

 

وفي ديسمبر من سنة 1816م قام الصحفي والمؤلف الإنجليزي "جيمس سيلك بكنغهام" بزيارة مسقط وقال فيها: "من الخصائص العظيمة والمميزة لمسقط عن كل بلاد العرب هو ما يُبديه سكانها بكل مراتبهم إلى الأوروبيين من احترام ولطف، هنا يمكن للغريب أن يذهب حراً حيث يريد، وهنا أعجب كثيراً بقيم التسامح لدى العمانيين" وقال: "يجب أن تُعزى إلى النزعة المسالمة للناس، ولا تميز الشرطة فيها".

 

لا بد أن تستفيد دول الخليج العربي من الثروات الماديّة والفكريّة والبشرية لبناء نموذج وحدوي مميز بعناصره المتنوّعة وتعدديته الجميلة، نموذج أساسه تحقيق العدل وخدمة الإنسان.

ومن قبلهم قال فيهم محمد صلى الله عليه وسلم فقال: "لو أن أهل عُمان أتيتَ ما سبّوك ولا ضربوك" رواه مسلم (2544) يقول القرطبي في كتابه "المفهم 6/501 ": "يعني: أن أهل عُمان قومٌ فيهم علم، وعفاف، وتثبت، ولأنهم ألين قلوباً، وأرق أفئدة".

 

في شهر ديسمبر من عام 2015 في مطار "جوانزو" بالصين التقيت بالسيد (هيلموت) وهو نمساوي يعمل في التجارة، وأثناء حديثي معه اكتشفت ثقافته الواسعة والكبيرة والتفصيلية عن دول الخليج العربي مع أنه لم يزر سوى مدينة دبي، وكان مما استأثر بمعظم الحديث هي تساؤلاته عن التباينات الدينية والمذهبية في المنطقة وما ترتب عليها من صراعات ونزاعات وما نتج عنها من إقصاء سياسي واجتماعي، ووصل الأمر لسفك الدماء لمجرد اختلاف المذهب أو المنهج.

فقال لي السيد هيلموت: ألستم كلكم مسلمين؟ فلماذا كل ذلك يحصل بينكم؟ حاولت أن ألملم الموضوع يمينا وشمالاً وأجد له المبررات من هنا وهناك، ووضحت ذلك من حيث أن هذا الصراع طبيعي قد يحصل بين الأمم والحضارات ولنا في التاريخ شواهد قديمة وحديثة، وبيّنت له أن أوروبا قد مرت بذات الشيء، فإذا به يقاطعني ويقول لا تبرر! ألا تستفيدون من التاريخ؟! ألم يعلمكم التاريخ بأن الحروب تضعف الحضارات وتسحقها؟! ألا تتعلمون من التجربة الأوروبية في إقامة وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية تعمل يداً بيد لبناء تنمية وحضارة تخدم الإنسان! استمريت في عنادي وصلفي العربي محاولاً تبسيط الأمر بأن الشعوب مغلوبة على أمرها وأن المشكلة هي في السياسي المسيطر على مفاتيح لعبة الصراع، فقال بكل هدوء: ولماذا (عُمان) نجحت في صنع دولة سلام وكوّنت مجتمعا متعايشا رغم التعددية التي يضمها النسيج الاجتماعي والديني والثقافي؟! أليست مثلكم دولة عربية وإسلامية؟

 

إذا كان أولئك الأوروبيون الرحالة والصحفيين والسيد هيلموت قد أدركوا عناصر قوة وتميّز (عُمان)؛ فأين نحن من هذه المدرسة العظيمة التي تحيا بيننا؟ وحُقَّ لنا أن نسبر أغوارها ونكشف أسرارها وندرس تفاصيلها، فنحن أولى بعُمان من غيرنا، وتستطيع دول الخليج -لو أرادت- أن تصنع وحدة إقليمية متكاملة وقوية، تتضمن وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية، تتم عبر تبادل الخبرات والتجارب والأدوار حتى يكمّل بعضها بعضاً، تستفيد من الثروات الماديّة والفكريّة والبشرية، نموذجٌ يجمع الشتات ويوحد الجهود ويستثمر الطاقات والعقول المفكرة لبناء نموذج وحدوي مميز بعناصره المتنوّعة وتعدديته، نموذجٌ أساسه تحقيق العدل وخدمة الإنسان، ومنه تكون الانطلاقة لوحدة عربية ووحدة إسلامية وصنع قوة عظيمة يفخر بها الجميع، وحتماً سيكون لعُمان بصمتها الجليّة في هذا النموذج الحُلم.

 

سلطنة عُمان نجحت في صُنع دولة سلام، وكوّنت مجتمعا متعايشا؛ رغم تعددية النسيج الاجتماعي والديني والثقافي، وهنا على عُمان واجب إقليمي ودولي كبير في تقديم نموذجها الاجتماعي، ونشر قيمها وتأصيل تجربتها لرسم عالم جميل يقدّر الإنسان ويعمل على الوئام والسلام. وتستطيع دول الخليج -لو أرادت- أن تصنع وحدة إقليمية متكاملة وقوية، تتم عبر تبادل الخبرات والتجارب والأدوار حتى يكمّل بعضها بعضاً، وتستفيد من الثروات الماديّة والفكريّة والبشرية لبناء نموذج وحدوي مميز بعناصره المتنوّعة وتعدديته الجميلة، نموذج أساسه تحقيق العدل وخدمة الإنسان.

 

حفظ الله عُمان وأهل عُمان..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.