شعار قسم مدونات

متى الخروج من قوقعة العشيرة؟

مدونات، عشيرة

إن الوقت قد حان حقيقة لإلغاء النداء العشائري المخيف الذي بات يهدد وحدتنا الوطنية وبات الأمر يخرج من تحت سيطرة الكبار ويثار به الشباب الذي كان من المفترض أن يكون تخلص من أساليب الجاهلية القديمة وبدأ باستخدام أساليب أكثر تحضراً ومنطقية.

كما يفترض به أن يكون في أوجه ثقافته وأن يصبح لديه مفهوم تلبية العشيرة وقت النداء قد اندثر منذ زمن وأصبح مشروطا ً بالقبول أو الرفض تبعا لسّبب وليس كأنّنا في ساحة حرب فيُتَناسى النص النبوي الواضح لمّا كَسَع غلامٌ من المهاجرين غلامًا من الأنصار في غزاة بني المصطلق واستغاث الأول يا لَلْمهاجرين ونادى الآخر يا لَلأنصار سمِع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ فحكوا له ما جرى فقال صلى الله عليه وسلم دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ.

إن هذا صورة طبق الأصل لما يحدث اليوم تحت صفوف الجيل الذي بات يتفاخر بعدد العشيرة والعزوة وقوتها ويهدد بصيتها على الملأ كي يخيف من حوله باسمها وترك فخره بإنجازها وكرمها وحسن الصيت والسمعة من ناحية التدين والتعليم وأصبح يفخر بالتعصب والقوة والبطش. ويبقى السؤال أين بؤرة الفساد التي غذّت الشباب ليصبح ما هو عليه اليوم؟

فقد آن الأوان لاقتلاع السرطان العشائري من جذوره التي باتت تتغذى على مستقبلنا ودماء أولادنا وعلينا بدء العلاج أولاً من داخل بيوتنا بتعليم ديني ومنطقي واعد بأن الإنسان المختلف يحارب بالفكر والاحترام لا قوة الذراع، وأن العنف ليس حلاً لأي مشكلة أو اختلاف، بل هو صورة من صور التطرف ومن ثم ببنيةٍ مدرسيةٍ لا تعرف للعائلةِ سطوةً أو مكانة وإيجاد نظام عقاب صارم داخلها لكل من شجع أو وافق وإن كان بالسكوت على أي من تلك التصرفات المشينة وتكثيف القيام ببرامج مجتمعية لتوعية جيل الشباب وتقديم دروس لتوعية الأهل لتوضيح نتائج ذلك التطرف على مستقبل الوطن وتفعيل دورهم لتوجيه أبنائهم خارج ذلك المنحدر فإن نصف الداء البيت ونصف الدواء منه.

واقع الشباب الأردني اليوم أمام منجرف صعب جداً من الرجعية لا التحضر التي بات فيها العنف وحده والتهديد والوعيد هو السبيل الوحيد لإجبار الخصم على قبول الفكرة

وإن وجود فرد غذّي بتلك الجرعات من القبليّةِ والتطرف هو فرد قادر على أن يجر نفسه وغيره في دوامة لا مخرج منها ولن تستطيع الجامعة ردعهُ بالتهديد والوعيد فمن وضع روحه على كفيه لا لأجل شيء معلومٍ حتى لن يضع اعتباراً لأي نتائج مترتبة لما بعد ذلك. كما أن الجامعات هي الأخرى شريك في مؤسسة الفساد تلك فالنظام الجامعي القائم على الاستثناءات والواسطة والمقاعد المخصصة لفئاتٍ على اسم العشيرة لا على الكفاءة والأحقية هو أحد أكبر أسباب العنف داخل الحرم الجامعي.

كما أن التضييق الذي يمارس على الطالب هو أيضاً لم يترك سبيلاً إلا ووضع فيه الشباب تحت ضغوطات حريةٍ لدفن مسعاهم ورغبتهم بالتطور الفكري وتجريدهم حقهم بالمشاركة مع كافةِ التيارات الفكرية والسياسية لاختيار الطريق التي يسعون إليها لأسبابٍ، لم نجد لها نحن الشباب تبريراً مع أن إطلاق حرية الشباب داخل حرمها وتحت عينيها لممارسة حقهم الحقيقي بالتعبير عن الرأي وإتباع الفكرة التي يرغبون تحت بنية العمل الجامعي البنّاء وجعل حرية الرأي كما كان الوعد دائما سقفها السماء ما لم يهاجم شخصاً أو يخالف قانوناً وفرض قاعدة لجو من الاحترام المتبادل بين الأطياف هو أول طرق النجاة بهذا الجيل المتهالك.

وبغير حل كل تلك التراكمات لا يمكن النجاة بهم فالحلول الجزئية التي تتبعها الرئاسات الجامعية ما هي إلا حلول مؤقتة أثبتت جميعها فشلها مراراً وقد حان الوقت لبتر الخبيث من أصوله. فواقع الشباب الأردني اليوم أمام منجرف صعب جداً من الرجعية لا التحضر التي بات فيها العنف وحده والتهديد والوعيد هو السبيل الوحيد لإجبار الخصم على قبول الفكرة وتناثر كل ما كان يجمعهم من صلات قرابة ونسب أمام مفاهيم القبيلة هو جريمة شارك فيها المجتمع بأسره وعلى المجتمع بكافة أفراده حلها لأن الوطن بات هو الضحية الوحيدة لذاك الخبث الذي يدق أبوابنا كل يوم ينتظر من يفتح له الباب ليطلق شرارة الفتنة. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.