شعار قسم مدونات

الكتابة القسرية

blogs -الكتابة

لجوء أحدهم للكتابة لا يعنى بالضرورة الرغبة في التعبير عن الرأي، وليس من الضروري أن يكون حتى عن كامل رضاه واختياره.. قد يكتب مجبراً، وليس من الضروري أن يكون جابُره على الكتابة أحدٌ غيره.


قد نذهب للكتابة لجوءا.. نلتمس شيئا من راحة البوْح، بعد أن أنهكتنا صراعات الأفكار والمشاعر المتضاربة سريعة التغير والتطور، لنتخلص فقط من الحمولة الزائدة ونستريح من صراخ الأفكار الملحة التي لا تنفك في ضرب الأرض بأقدامها وملاكمة الحيوط بأيديها.


" قد نذهب للكتابة هروباً من الوحدة.. من الغربة، سعياً لنفي الشك في أننا وحدنا من يعاني من ذلك الأمر، أو يمُر بتلك الحالة، نقيم مجموعة دعم نفسي أو علاج جماعي حتى لو كُنا وحدَنا من نتكلم فيها وشارك الآخرون فقط باستماعهم، أو حتى تخيُل أن هناك من يسمع. "

قد نذهب للكتابة لنضعَ أنفسنا على طاولة الورق، نتاولنا نفساً وعقلاً بالتشريح، بالاستيضاح والتحليل.. أملا في التعرف على الحال ومحاولة فهم النفس، بعد أن تكَاثَف الضباب على العقل، وتزاحمت عليه المدخلات من وتيرة الحياة المدنية السريعة واكتظاظ زمننا بأحداث متسارعة ومعلومات متراكمة، وتكاثر طارقي أبوابنا رغبةً في إدخال أفكارهم وأحاسيسهم إلينا.


منهم قليلوا الأدب الذين يطرقوها بصفاقة وعدم احترام، ومنهم من قرر الدخول دون طرق الباب من الأصل، منهم من لاحظنا دخولهم، ومنهم من دخل خلسة وسط انشغالنا بمعارك الآخرين ومعاركنا مع الحياة ومعاركنا مع أنفسنا.


وقد نذهب للكتابة هروباً من الوحدة.. من الغربة، سعياً لنفي الشك في أننا وحدنا من يعاني من ذلك الأمر، أو يمُر بتلك الحالة، نقيم مجموعة دعم نفسي أو علاج جماعي حتى لو كُنا وحدَنا من نتكلم فيها وشارك الآخرون فقط باستماعهم، أو حتى تخيُل أن هناك من يسمع.. فذلك يجدي أيضاً، وهذا ما يجعل الكتابة خياراً عمليا في هذه الحال؛ فلا يمكنك الجزم بأنه لا أحد يسمع ﻷنه لم يحضر أحد، أو أنهم يستمعون بغير اهتمام ﻷنه لا يمكنك أن ترى أحد.


وبشتى أشكالها والدوافع إليها، تنطوي الكتابة على قدر كبير من الحساسية و الجرأة (أو الاندفاع والتهور إن شئت) على إظهار الضعف والتأثُّر، يساعدها على ذلك مكرُها الذي تتميز به عن سواها من أشكال التعبير الأخرى وبراعتها في الاستدراج، حيث أنك تعلم أن ما تكتبه معروض أمام أي أحد وكل أحد ليقرأه، لكن عدم مُثول هذا الحد أمامك الآن وأنت تكتب يجعلك تسرد بغير تحفظ.. فهي تستغل تلك المساحة بين العلم بالشيء والاستمرار في الإحساس به وتَمثّله في الذهن.


لذا تساعد (أو تساعدني أنا على الأقل) الكتابة العفوية دون إنفاق الكثير من الوقت في انتقاء الألفاظ أو مراجعة ترتيبها وتنميقها، فيصدف أن يفهمها من يقرأها على تشوُّشها وإبهامها، أو تظهر مُشفرة لا يدركها سوى من سبق أن مرّ على عقله ما تحمِله من أفكار أو اختبر ما تحمله من أحاسيس، وهو أمر له منافعه فتمنع عنها من لا يعرف قيمتها، أو يدرك طبيعتها فلا يُستباح ما تنطوي عليه من ضعف وحساسية كاتبها.


أو لا يصل ما تحمله ﻷي أحد، وفي هذه الحالة لا تصير بلا جدوى، لكن أكون أكتب لأراني.. أو أُريحَني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.