شعار قسم مدونات

العالم شقيّ بما يكفي.. لا تزيدوا بؤسه

blogs- الدمار
"أشفقت على الكارهين من إدمان السير على ظل ظنوه خطاهم، وسجنوا حياتهم في ابتكار وحيد: أخطائي!" (محمود درويش)


تعاقبت العصور ومصدر الآلام واحد: الإنسان، أو فئة منه، هذا الكائن المزاجي المليء بالشرور والآثام يراودنا عن أفراحنا البسيطة في صخب البحث عن الحياة وسط غمامة العالم.


ألا تدرك هذه الفئة أن جراحنا بطول المدى وأن خزانة الذاكرة مليئة بالوجع الكبير وأن وهن الجسد العاجز عن درء الحروب يتلفنا وأننا نشيخ يوما عن يوم بفعل الحزن ونقاوم الموت كل صباح بأعين شاخصة..


تواضعت أحلامي إلا من رؤية عالم يفيض بالمحبة، لا يشوبه الكمد ولا تنهكه الأحقاد، يصحو من سباته وينهض من قاع البئر المهجورة، يتواطأ فيه الأخيار لإحياء الأمل، عالم يعيد السلام للمدى المفتوح فلم يعد ثمة مكان لكل هذه القذائف.

ألا تدرك هذه الفئة أن تمرين القلب على الإصغاء لآلام الآخرين ليس بالشيء السيء وأن الطريق المفتوحة على الجحيم لا تؤدي إلى شيء.. 


ألا تدرك هذه الفئة أن الإنسانية ليست وجهة نظر وأن تاريخنا الحافل بالهزيمة تلو الهزيمة جعلنا فارغين من الداخل.. فلما يتحرقون اشتياقا لدكّ بقايانا؟.


هؤلاء الذين ضاعوا أول الطريق، الذين يستلذون بنثر سمومهم ويتصيدون أخطاء الآخرين ويقذفون بقبيح العبارة ويعصرون العلقم في القلب، الذين نموا كالفطر في عصر "New media" العابرون بأحقادهم إلى بؤرة الظلام، الذاهبون نحو هوة سحيقة بسلاح الضغينة، المشدودون كالوتر بين غلّ وكره لا يعلمون أن أفكارهم الباذخة العبث لن تحرمنا أسباب الحياة. فلينظروا إلى وجهة الريح، هناك، تترك وراءها الغبار..


بائس هذا العالم بما يكفي وتزيده النفوس الحالكة والأفكار الهدّامة بؤسا، فصولنا خريف لا ينقطع وحاضرنا احتكاك متواصل مع العواصف، أيادٍ تسرق أيامنا وتسطو على أشيائنا الصغيرة، تفزعنا السماوات التي تمطر رصاصا ويرجّنا صوت المدافع، نخاف على أحلامنا من الغزاة ونحترق بشموس كاذبة، خرجنا إلى هامش الحياة نبحث عن نوتة حية تُبعث من ذواتنا الخربة فلم نجد، نمشي نحو الغد بحذر ونتدافع من أجل فرح مؤقت، يتّقد ليل الفتنة وتردينا النهايات المرة.. فلما لا يتركوننا نشفى من جراحنا المملحة ولا يفتحون لنا الطرقات كي نعبر؟.


أيها الإنسان، مؤونة العمر حب ورضاً وكلمة طيبة تضيء ليل الأبدية ويد تُربّت على كتف الأيام، محبة نبسطها للقاصدين أرضنا، احتواء للمتسللين إلى ظلالنا، شتلة من فضائل نزرعها في نفوسنا فتنمو كل يوم وتكبر، ابتسامة نقطفها من عمر الوطن لنزهر في بلاد بعيدة، نوافذ نفتحها على أفق بلا غيم، طرق معبدة للزهور، صدور مشرعة على الفرح، أغانٍ توقظ ضحكة نائمة، كلمات تصدّ جراح الوقت.. فلما الامتلاء بكرهٍ لا حدّ له؟.


ذات حزن كبير كتبت إلى صديقتي "إنني يا فاطم أحلم بوطن أحدّده أنا، وإن حلمي ليوجعني.. أحلم أن يضيء ليل الوعي يوما ما على عالمنا العربي، أن يمر يوم دون أن يبحث طفل عن أمه وسط مدينة مزدحمة بالأشلاء، أن تثمر الأرض خيرا ويستريح المتعبون الذين يبحثون عن قطعة الخبز في مقالع الحجر.. إنني أحلم بوطن يمارس الأمل ويفرط في التفاؤل من جديد".


تواضعت أحلامي إلا من رؤية عالم يفيض بالمحبة، لا يشوبه الكمد ولا تنهكه الأحقاد، يصحو من سباته وينهض من قاع البئر المهجورة، يتواطأ فيه الأخيار لإحياء الأمل، عالم يعيد السلام للمدى المفتوح فلم يعد ثمة مكان لكل هذه القذائف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.