شعار قسم مدونات

تقرير جون جنكينز محرار للرأي العام الدولي

blogs - إسلاموفوبيا
يقف العالم العربي اليوم والأمس وغدا، على صفيح ساخن من الانقسام والتوترات والثورات والتبعية بأشكالها المتعددة. وتلعب نظرة العالم الأول لعالمنا العربي مشغل العديد من السياسيين والمفكرين والديبلوماسيين أساسا، حيث تتردد أخبار ارتباط المسلمين بالإرهاب أو التعصب أو التخلف، مما يترتب عنه منع السفر لهذه الأنحاء من العالم التي تمثل خطرا على رعايا العالم المتقدم وغيرها من التدابير الاحترازية التي يخيّل للسامع أنها سعي وإصرار على الأمن العام والمحافظة على أرواح الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة أمام موجة العنف والإرهاب التي يرزح تحتها العرب المتخلفون.

وهكذا يتم تخضيع الدول وجعلها تركض وراء ألاعيب الأمن والرفاهية سريعة التقلب، وكأنها ساعة رملية سرعان ما تتقلب بيد الرأي العام الدولي الذي متى شاء أعاد المعطيات الأمنية والحمائية على الطاولة. فبعد هدوء عبثي تتعالى الصرخات من شتى أنحاء العالم يمنة ويسرة من العمليات التي وصلت للمطارات والمراكز السياحية والشوارع غير البعيدة عن مقرات صنع القرار الدولي… وتتجه الأنظار لتحديد جنسية الفاعلين التي لا تبعد كثيرا عن تلك الرقعة المشبوهة من العالم التي لُطِّخ تاريخها المشرف بفعل ألاعيب القوى المتحكمة في خيوط التعصب والإرهاب أو بيد المغفلين من أبنائها الذين فهموا دينهم خطأً. وهكذا تكتمل أبعاد لعبة الشطرنج التي يرمى فيها بأرواح البيادق والوزراء وغيرهم في سبيل بقاء الملك الذي يرسم الخطط ويراكم الأخطاء ويصور الخيالات.

على أعقاب تقرير جنكيز، ردّ المتحدث باسم جماعة الإخوان بكون ما ذُكر غير مقبول، وهو مندرج ضمن حملة ممنهجة تشنّها بعض الأنظمة الداعمة للانقلاب العسكري في مصر ضد الجماعة.

غير بعيد عن هذا الوضع المؤسف لا تغيب عن المتتبع في هذه المسائل ما نشرته بريطانيا يوم الخميس السابع عشر من ديسمبر من سنة 2015 من مخرجات لتقرير لجنة جون جنكينز السفير السابق لدى المملكة العربية السعودية للرأي العام الدولي في خطاب ألقاه رئيس الحكومة البريطاني دافيد كامرون في الغرض. حيث أصدر أمرا يقضي بالتقصي في جملة الأنشطة التي تنظّمها جماعة الإخوان المسلمين ومدى تأثيرها على الأمن العام البريطاني وأعدت لجنة جنكينز تقريرا معمقا أجابت به عن جملة من التساؤلات. وقد تمحورت الإجابة التي قدمها كامرون في كون عضوية الجماعة أو الارتباط بها مؤشر ممكن للتطرف ولكن لم تخلص لاتخاذ قرار الحظر وتصنيفها كتنظيم إرهابي مما أضاف بعدا ضبابيّا للموقف البريطاني.

ما لمح له تقرير جنكينز أن بعض الأطراف التابعة للجماعة لها صلات وارتباطات بالعنف والتشدد. وحسب رئيس الحكومة البريطاني "هناك علاقة غامضة بين بعض أقسام جماعة الإخوان المسلمين والتطرف العنيف، وكان ذلك منطلقا لبعض الأفراد والجماعات المنخرطة في أعمال عنف وإرهاب". وقد أكد أن قرار الحظر لا يزال محل جدال وستستمر دراسة الموضوع بشكل أكثر عمقا وأخذ قرار منع إسناد تأشيرات السفر لمن اشتبه في تورطه في أعمال عنف أو تصريحات متشددة من أعضاء الجماعة. كما أشار في خطابه لبعض الحركات المجاورة التي تساند حركة المقاومة الإسلامية حماس وتعتبر المملكة المتحدة معادية للإسلام والمسلمين. ووصف أنشطة الإخوان بالمخالفة للقيم البريطانية الأساسية كالحرية وتسامح المعتقدات وحكم القانون والديمقراطية.

نشرت صحيفة الغارديان "قرار الحكومة البريطانية بإجراء المراجعة بشأن جماعة الإخوان المسلمين، كان في الواقع قد اتخذ تحت تأثير ضغوط مارستها حكومات أجنبية تعادي التوجّه الديمقراطي في الشرق الأوسط".

وعلى أعقاب هذا الخطاب ردّ المتحدث باسم جماعة الإخوان بكون ما ذُكر غير مقبول، وهو مندرج ضمن حملة ممنهجة تشنّها بعض الأنظمة الداعمة للانقلاب العسكري في مصر ضد الجماعة، وتفيد المعطيات خلال تلك الفترة تعرض الحكومة البريطانية لضغوطات من طرف جهات في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، مفادها التنبيه لخطر نشاط جماعة الإخوان في بريطانيا. كما اعتبر هذا التصريح إساءة لبريطانيا وليس للإخوان بسبب ازدواجية موقفها الذي يرى الإخفاء القسري والاعتقالات تطرفا يمسّ من النظام القائم بمصر.

كل ما تمخض عن هذا التقرير أسال حبرا كثيرا في أعمدة كبريات الصحف في الغرب والمنطقة العربية ودفع بدفق من الدراسات التحليلية، وفتح نقاشا واسعا، واستجد فيه مؤخرا انتقاد مجلس العموم البريطاني لتصريح رئيس حكومتها حول مخرجات لجنة جون جنكينز واعتباره انقلابا على عملها. وقد ركزت في ذلك على إخفاء التقرير لمدة تقارب العام بإيعاز من دول ونظم عربية مناهضة لجماعة الإخوان وداعمة للانقلاب والنظام المصري الحالي، ومن ثمة إخراجه بشكل مخالف لما تضمنه. وقد فسر التأخير في الإعلان عن التقرير بكون نتائجه تحمل مشاكل ديبلوماسية للمملكة المتحدة مع بعض أصدقائها بناء على أنه لم يصنف الإخوان كتنظيم إرهابي لكنه لفت النظر فقط لضرورة الوضوح أكثر والتمايز عن بعض التنظيمات الإسلامية الأخرى التي تسلك الإرهاب منهجا. وتدَعم ذلك بإشارة لبعض مؤيدي نظام الجماعة الذين شاركوا مع غيرهم في أعمال عنف وتدمير عقب الانقلاب كدعوة للثأر أو ما شابه ذلك.

ويسجل في الإطار نفسه، أن مكتب المحاماة الخاص بالجماعة أصدر بيانا في الغرض، ومما جاء فيه "أن نشر التقرير أمام البرلمان يهدف إلى إحباط الجماعة من ممارسة حقها في الرد". واعتبر هذا المكتب أن ما صرح به كامرون تشوبه عديد الأخطاء.. وقد لعبت الصحافة البريطانية دورا كبيرا في إثراء هذا النقاش بشكل ملفت حيث نشرت صحيفة الغارديان "قرار الحكومة البريطانية بإجراء المراجعة بشأن جماعة الإخوان المسلمين، كان في الواقع قد اتخذ تحت تأثير ضغوط مارستها حكومات أجنبية تعادي التوجّه الديمقراطي في الشرق الأوسط". كما كشفت عن التلويح بإلغاء عقود شراء السلاح من طرف دولة خليجية ما لم تغير بريطانيا تقرير لجنة جون جنكينز. وقد سُبِق ذلك بأنها اشتكت ضد الجماعة سنة 2012 عقب انتخاب محمد مرسي رئيسا لجمهورية مصر.

أي ديمقراطية ومصداقية والتقارير تصاغ لتعدل حسب المصالح الديبلوماسية والصفقات المالية، أما آن للسياسة أن تحترم المبادئ التي شكّلتها وتسعى لتحقيق الأهداف السامية التي بعثت من أجلها.

وإثر استعراضنا لهذه السيرورة العامة التي عاشها تقرير لجنة جون جنكينز، نخلص لكون ما أفاد به مجلس العموم شكّل ضغوطا على منظومة الانقلاب العسكري المصري، مما يزيد من تعميق أزمة القاهرة مع لندن وغيرها من عواصم المنتظم الدولي.. لكن وإن رفع هذا التقرير جزءا كبيرا من الضبابية حول الإخوان، إلا أنه قوبل بقصف متوقع بتعلّة استقواء الإخوان في الخارج "أعداء الوطن"، و"الاستشهاد مثلا باستنجاد الأمين العام للإخوان ببريطانيا للعودة للمشهد السياسي المصري"، هذا ما أوردته صحيفة اليوم السابع المصرية بتاريخ السابع من نوفمبر 2016. لذلك وجب عدم المبالغة في جرعة الأمل التي منحت للجماعة، هذا خصوصا وبالأساس عقب ما صرحت به الخارجية البريطانية كونها لم تعدّل من رأيها وتحتكم من جديد إلى ما عرضه كامرون. حيث ورد عن المتحدث باسم الخارجية البريطانية "هناك الكثير من وجهات النظر بشأن جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا وأنحاء العالم، بما في ذلك العديد من الأصوات التي يعكسها هذا التقرير".

وكل هذا وغيره يجعلنا نطرح تساؤلات عن أيِّ وطن عربي جامع نتكلم عنه والدول العربية تنفق المال والنفط والمواقف في سبيل تشتتها ومزيد تكريس الاستبداد فيها، فقد باتت حدود سايكس بيكو عقلية وتوجهات وليست فقط تقسيمات جائرة لوطن موحد بل إن الرقعة تزداد انقساما وتفرعا بين طوائف وقبائل وأديان. العالم يتحد والعرب يفترقون ويفتقرون فالفرقة والفقر أسياد الموقف العربي.

أي ديمقراطية ومصداقية والتقارير تصاغ لتعدل حسب المصالح الديبلوماسية والصفقات المالية، أما آن للسياسة أن تحترم المبادئ التي شكّلتها وتسعى لتحقيق الأهداف السامية التي بعثت من أجلها. فتوارد الأحداث ومجرياتها في موضوع تقرير لجنة جون جنكينز فسح المجال لكشف الستار عن إحدى مسرحيات الرأي العام الدولي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.