شعار قسم مدونات

لا تبالي.. خان شيخون ليست مجزرة

blogs خان شيخون
يُمكنك أن تطالع عشرات الصور -إن استطعت أن تتحمل- للقتلى والجرحى جراء قصف قرية خان شيخون بغاز السارين السام؛ سائل لا لون له. تشمل أعراضه التي تتوقف على مدى التعرّض له، غشاوة البصر، وصعوبة التنفس، واختلاج العضلات، والتعرق، والتقيّؤ، والإسهال، والغيبوبة، والتشنجات، وتوقف التنفس الذي يؤدي إلى الموت.. تستطيع أن ترى عشرات المشاهد لأجسام متشنجة وعيون متصلبة وأفواه متحجرة وألسنة متدلية ترتعش وتستغيث من الألم الذي ضرب بجذوره صدور المودعين للحياة بأبشع الصور وأقسى الأساليب! يمكنك أن تطالع عشرات الصور للأمهات المكلومات والأهالي المقهورين الذين يودعون قتلاهم بالدموع التي لا يملكون غيرها.

الأمر لم يعد جديدًا، والمشاهد لا تحوي أي لقطة مختلفة.. أبصارنا ألفت مثل هذه الصور لأطفال قتلى وأجسام مشوهة وملقاة في الطرقات ودماء مسكوبة تملأ النُقر والفجوات، وعيون باكية مذهولة وحناجر زاعقة شاجبة مقهورة.. لا جديد! قد تكون المجزرة هذه المرة أقسى وأشرس من كثير سواها، كونها اُرتكبت بواسطة مواد كيماوية محظورة دوليا لا يستعملها سوى مجنون أو مختل عقليا.. إنسان فقد ما يميزه عن الحيوانات فلم يبقَ أي فرق بينه وبينهم! هو بلا أي قطرة شك إنسان مخبول يحتاج إلى أن يحُجز في مصحة أمراض عقلية؛ لذا لا داعي للتوقف عند هذه النقطة كثير، ولننتقل إلى جذور المشكلة.

يقول مارتن لوثر كينج "أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة"، وهذه الواقعة هي معركة أخلاقية متكاملة الأركان، هذه هي المعارك الأخلاقية الحقيقة التي يجب أن يهتم بها الناس وليس الاحتدام والانشغال في "هل تعتبر الألفاظ الجنسية في الروايات انعدام أخلاق أم لا؟!".

لا تخبرني بأن منفذ هذه الجرائم هما قطر وأردوغان بالاتفاق مع الـ CIA! كفى عبثًا وتضليلا! نظام الأسد اعترف علنًا في نهاية 2013 بأنه يملك أسلحة كيماوية.

الكارثة هنا ليست في بشار الأسد أو حسن نصرالله أو الحرس الثوري الإيراني.. إطلاقًا.. هؤلاء بعضهم مجرمون وبعضهم مخابيل ومجانين بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. المشكلة في ردود الأفعال الشعبية التي تتشكل في خضم الأحداث التي تتغير مجرياتها بمقتضي قرارات هؤلاء.. هذه القاعدة الجماهيرية هي حجر الأساس الذي تستند إليه هذه النخب في المضي قدما لتحقيق مشاريعهم وأهدافهم المخبولة.. هذه الهتافات التي تعلو في ندواتهم ومؤتمراتهم ولقاءاتهم وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي هي الكارثة بعينها… من لا يشجب هذه القرارات برغم علمه بها وبمدى تدميرها لحياة المئات بأبشع الصور والأوضاع يستحق الجحيم، فما بالك بمن يؤيدها تحت مبررات ساذجة وطفولية كمحاربة الإرهاب والقضاء على التطرف؟

أي تطرف تريد محاربته! أهُناك تطرف يضاهي قتل الأطفال بالأسلحة الكيماوية؟! ثم ما هذه الطريقة العجيبة التي تحارب بها التطرف؟ أتحمي النساء والأطفال والكهول والشباب والرجال من التطرف بقصفهم وقتلهم؟ أي ساذجة هذه وأي تخلف هذا؟ لا تخبرني بأن منفذ هذه الجرائم هما قطر وأردوغان بالاتفاق مع الـ CIA! كفى عبثًا وتضليلا! نظام الأسد اعترف علنًا في نهاية 2013 بأنه يملك أسلحة كيماوية وأبرم اتفاقية مع أمريكا وروسيا -وهو مجبر- لتفكيكها.

هذه القواعد الشعبية هي التي تتحمل وزر كل هذه العمليات الإجرامية، شاؤوا أم أبوا، وافقوا أو اختلفوا، هذه النخب المجنونة ستسقط فورًا إن لم تجد من يدعمها… نظام حسن روحاني إن لم يجد من يدعمه في إيران سيسقط، حزب الله إن لم يجد من يدعمه في لبنان فسيسقط، نظام بوتن إن لم يجد من يدعمه في روسيا فسيسقط، نظام الأسد إن لم يجد من يدعمه في جميع أنحاء العالم فسيسقط.. على الأقل سيتضاعف الضغط السياسي عليهم.

شئت أم أبيت فتأييدك هذا لا يمكن أن يخرج من إنسان سوي، بل أنت في هذه المعضلة كذئب متكلم! تنصاع وراء غرائزك التي تحتم عليك الهروب من أي موضع قد يثبت فيه أنك مخطئ.. لا فرق بينك وبين الطيار الذي يقود الطائرة الحاملة للقذيفة أو المجند الذي يقود الدبابة أو المدرعة سوى أن طبيعته الخشنة الصلبة ساعدته على الضلوع في مثل هذه العمليات، أما حياتك فهي حياة دعة ورخاء لا تقدر على تحمل ظروف الحرب والقتل فلا ترغب في القيام بذلك.

يكفي أن ترفض بعينيك ما يجري، ارفضه ولا تبرر، لا تستر مجرما، لا تغطي على فعلته.. فقط استنكر ما يحدث ولا تهلل لقاتل، فأنت من تبقيه في مجلسه بتأييدك.

لا أستطيع أن أستوعب كل هذه التبريرات الغبية فقط للخوف من الاعتراف بأنك كنت مخطئا من البداية! أكلّ هذه المكابرة والمعاندة تستحق الرقص على جثث الموتى والتغطية على قاتليهم ودعمهم بالأموال والتبرعات أو حتى بالكلام؟ أنت بهذا تستحق الجزء الأكبر من اللوم والجزاء.. لا تختبئ خلف التبريرات والشعارات التي تستقيها من جمهورك الفكري وكأنك غريق في بحر يبحث عن أي شيء يسد به صيحات وفجوات ضميره! دعك من نظرية المؤامرة وكرهك لأردوغان اللذين تتحصن بهما عندما يسألك أحدهم عن منفذ هذه الكوارث، فحججك واهية جدا وضعيفة جدا!

يقول الشاعر فاروق جويدة:
اغضب
إذا لاحت أمامك
صورة الكهان يبتسمون
والدنيا خرابٌ والمدى وطنٌ حزين
ابصـُق على الشاشات
إن لاحت أمامك صورة المُتـنطعين
اغضب
إذا لملمت وجهك بين أشلاء الشظايا
وانتزعت الحلم كي يبقى على وجه الرجال الصامدين.

يكفي أن ترفض بعينيك ما يجري، ارفضه ولا تبرر، لا تستر مجرما، لا تغطي على فعلته.. فقط استنكر ما يحدث ولا تهلل لقاتل، فأنت من تبقيه في مجلسه بتأييدك هذا الذي لا تعلم مدى خطورة عواقبه ومدى تأثيره على حياة الأبرياء في سوريا والعراق وفلسطين واليمن!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.