شعار قسم مدونات

اغتصبوا طفولتي

blogs طفلة

لا زلنا نسمع حتى يومنا هذا بما يسمى بزواج القاصرات رغم كل التطورات الحضارية من حولنا، وأود أن تسمحوا لي بأن لا أسمي هذه الزيجة بالزواج بل هي تعتبر اغتصابا للطفولة يوافق عليه أهل الضحية بكل ودٍ وسرور، وللأسف كثيراً ما يكونون هم المبادرون والمساهمون لاكتمال هذه الزيجة المقززة، التي لا تنتهك فقط طفولة المرأة بل حتى تفتك من جسدها الضعيف غير مكتمل النمو، الذي لا يتحمل الزواج وتوابعه. 

ونرى أمامنا ذلك المفترس المسن أو ما يسمى بالعريس في لغتهم الخاصة يمسك بيد ولي الطفلة العروس وقطعة قماشٍ فوق يديهما، وهما يرددان ما يمليه عليهما المأذون لإتمام هذه المراسم، ومنكم من يتساءل كيف لهذا الزواج أن يتم ولم تبلغ العروس السن القانونية؟ فيا حسرتاه إن كان جوابي على هذا السؤال هو انعدام الضمائر سواء كان من قبل موظفين زوروا في شهادة ميلاد المغلوب على أمرها، أو مأذونٍ لم يكترث بالقوانين التي لم تضع سداً.

 

ونرى من بعيد عينا تلك الطفلة مليئتان بالحيرة والذهول فلا تعلم تلك المسكينة ما سوف يحل بها، فهمي تبتسم ابتسامة خجلة فرحة بما ترتديه من ملابس مزركشة وحليٍ لامعة وتضع مستحضرات التجميل التي تزيد من عمرها قليلاً، ورغم ذلك لم تستطع تلك المستحضرات أن تخفي ملامح الطفولة البارزة في وجهها الجميل. وها هي أمها وقريباتها يحمن حولها ويبدأن بالحديث عن أمورٍ لا يجوز لفتاة في مثل عمرها أن تعرفها، فهي لازالت طفلة نعم لازالت تلك الطفلة التي تلعب مع أطفال حارتها ألعاب الطفولة البريئة. لازالت طالبة المرحلة الاعدادية التي لديها فروض مدرسية يجب عليها أن تكملها. هذه الطفلة تركت عالم الطفولة لتنتقل الى عالمٍ لا تنتمي له فأصبحت طفلة بجسد امرأة تزداد همومها يوماً بعد يوم، وتنتظر كل ليلة ذلك الزوج المغتصب ليأخذ منها حقوقه كاملة دون أن يأبه لحالتها، أو ما تعانيه، فهي بالنسبة له مجرد جسدٍ بلا روح. 

هذه الظاهرة تحرم المرأة أبسط حقوقها كحقها في التعليم، واختيار شريك العمر وإحساسها الدائم بالنقص والحرمان، مما يؤدي لفقدانها هويتها وضعف شخصيتها. فينتج من ذلك أمهات غير مؤهلات من الناحية النفسية والجسدية لتربية أجيال المستقبل

ولا يمكننا أن نعتبر الفقر وعسر المعيشة مبرران كافيان للأسر لتتخلى عن فلذات أكبادهن في هذه السن المبكرة، والإتجار بهم للحصول على المال أو ما يسمونه المهر، وإن رجعنا للقرآن الكريم لما وجدنا نصاً قرآني واحداً يحدد سناً معينة لزواج المرأة أو الرجل، ولكنه رغم ذلك ذكر النضج الجسدي كأحد أركان الزواج ؛ أي أن المرأة تكون في حالة جسدية سليمة تمكنها من تحمل الجماع والحمل بحيث لا تصيبها مضاعفات تؤثر عليها سلبياً، وبالرغم من ذلك نرى الكثير من ناقصي العقول كما أحب أن أطلق عليهم يبرروا هذا النوع من الاغتصاب بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها حين كانت تبلغ التاسعة من العمر، ولكن هذا الزواج الطاهر ذو الأهداف النبيلة لرفعة الأمة لا يمكن أن يكون حجة لزواج رجلٍ كبيرٍ في السنِّ من فتاة صغيرة لأجل المتعَة والشهوَة فقط، ولا يمكننا أن ننسى أن لكل زمانٍ قواعده وظروفه الخاصة به، فما كان جائزاً ومقبولاً في القدم لا يصلح في وقتنا هذا. 

هذه الظاهرة تحرم المرأة أبسط حقوقها كحقها في التعليم، واختيار شريك العمر وإحساسها الدائم بالنقص والحرمان، مما يؤدي لفقدانها هويتها وضعف شخصيتها. فينتج من ذلك أمهات غير مؤهلات من الناحية النفسية والجسدية لتربية أجيال المستقبل، مما يؤدي لتكرار هذه الظاهرة وعدم القدرة على الحد منها. لا تكاد كلماتي وحروفي تصف معاناة هذه الشريحة الموجودة في كل مجتمع عربي، فإلى متى نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الظاهرة التي تسلب طفولة بناتنا وتنتهك حقوقهن . أتمنى أن ينتشر الوعي اللازم للحد من هذه الظاهرة فيا ليتها تصبح في طي النسيان!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.