شعار قسم مدونات

مؤتمر لفلسطين ومؤتمرات لغيرها

blogs - فلسطينيو الخارج

وجدت السلطة الفلسطينية في الآونة الأخيرة نفسها في وضع لا تحسد عليه، إذ أصبحت محاصرة بمؤتمرات في إسطنبول والقاهرة والعين السخنة، صبت كلها في كشف عجز قيادة السلطة في التعبير عن تطلعات الشعب الفلسطيني وتشتت حركة فتح وضعفها بسبب الصراعات التي تنخر بها وتدخلات الإقليم في هذه الصراعات.

 

في إسطنبول، حاول المجتمعون توصيل رسالة قوية لقيادة السلطة أنها لا تشكل تمثيلا حقيقيا للشعب الفلسطيني خصوصا في الخارج بعد ان حولتها اتفاقات أوسلو إلى حامي لأمن الاحتلال وأدخلت قيادتها في الشتات إلى داخل الأرض المحتلة، حيث وافقت هذه القيادة على تهميش قضية اللاجئين ووضعها في الثلاجة أمام إصرار العدو على عدم القبول بأي حل يتضمن عودة هؤلاء إلى ديارهم. والملفت للنظر أن هذا المؤتمر نجح في تحشيد عدد جيد من فلسطينيي الشتات لصالح مطلب حق العودة الذي يرى معظم الفلسطينيين أن منظمة التحرير تخلت عنه لصالح حلول لا يبدو أنها ناجزة حتى الآن في إطار تفكيك المستوطنات ووقف تهويد القدس.

 

مؤتمر إسطنبول هو مؤتمر وطني شعبي بامتياز لا يستهدف تهديد تمثيل المنظمة ولكنه يفرض دور فلسطينيي الخارج على أجندة القيادة الفلسطينية، ويؤسس لحالة جديدة ترفض التفريط بقضية اللاجئين

أي أن مؤتمر إسطنبول سلط الضوء على فشل السلطة والمنظمة في تحصيل حقوق فلسطينيي الشتات، من خلال تجمع حشدت له حركة حماس واتخذ طابعا شعبيا بحتا وضم شخصيات مناضلة لها تاريخ عريق حتى وإن كانت كبيرة في السن!    

 

صحيح أن المؤتمر طالب بإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنه شكل محاولة قد تسفر عن بديل حقيقي للمنظمة في الخارج إن هي استمرت في تجاهل الشتات. وهذا يشكل تهديدا سياسيا لتمثيل المنظمة وإن لم يتخذ صفة الفصائلية الفلسطينية.

 

وفي المقابل احتضت مصر مؤتمرا للشباب برعاية القيادي المفصول من فتح محمد دحلان والمعروف بعلاقته الوطيدة مع المخابرات المصرية والإماراتية، فضلا عن احتضانها لأكثر من مؤتمر في العين السخنة بتنظيم دحلان لنواب وقيادات فلسطينية بالإضافة لرجال أعمال وخبراء اقتصاديين من قطاع غزة. وأخيرا عقد المخابرات المصرية مؤتمرا في نفس المكان في إطار سعي مصر للتأثير في البيئة الدينية الداخلية بغزة كما ظهر من خلال اسم المؤتمر في الشهور الماضية (تجديد الخطاب الديني).

 

ودفع كل هذا فتح والسلطة لمهاجمة هذه المؤتمرات وأجنداتها المشبوهة ومحاولتها تكريس قيادة بديلة عن محمود عباس، واضعة مؤتمرات مصر ومؤتمر إسطنبول في سلة واحدة، ومعتبرة مؤتمر إسطنبول تحديدا محاولة لسحب الشرعية عن منظمة التحرير بتعاون تركيا التي استضافت المؤتمر على أراضيها!

 

ولا شك أن السلطة تدرك الفرق بين هذه المؤتمرات، ولكن مكابرتها أضاعت عليها فرصة الاستفادة وأخذ العبر من كل منها. فالملاحظ في مؤتمرات مصر أنها أشعرت عباس بتهديد حقيقي من قبل دحلان الذي سبق ونجح الرئيس الفلسطيني في استبعاده وتياره من فتح، وأن تهديد ما يسمى الرباعية العربية بفرض بديل عن عباس للتفاوض مع إسرائيل، بدأ يستعيد زخمه من جديد بعد أن ظن أبو مازن أنه تمكن من إلحاق هزيمة منكرة به في مؤتمر فتح الأخير.

 

وباستثناء مؤتمر عين السخنة الأخير الذي هدفت مصر منه لتوسيع نفوذها بغزة، فقد استهدفت مؤتمرات مصر عباس شخصيا وسعت لتكريس دحلان لا لرئاسة فتح فقط وإنما لتمهيد الطريق لضرب حركة حماس، وهذا ما دفع الأخيرة إلى رفض إعطاء أي غطاء لدحلان أو التحالف معه ضد عباس لأنه يشكل مخلبا لإرادة خارجية تستهدف مقاومة الشعب الفلسطيني وقواه الحية. أما السلطة الفلسطينية فبدلا من أن تتحالف مع حماس لمواجهة الضغوط الخارجية فقد ظلت على مواقفها وسلطت سهامها على مؤتمر إسطنبول أيضا.

 

مؤتمرات القاهرة والعين السخنة تحاول رهن القضية لجهات خارجية عربية وغير عربية، وتسعى لتحقيق أجندة إسرائيلية تنهي القضية وتهيئ لبعض الدول العربة الدخول في تطبيع مجاني مع العدو

فمؤتمر إسطنبول هو مؤتمر وطني شعبي بامتياز لا يستهدف تهديد تمثيل المنظمة ولكنه يفرض دور فلسطينيي الخارج على أجندة القيادة الفلسطينية، ويؤسس لحالة جديدة ترفض التفريط بقضية اللاجئين، ويؤكد على ثوابت الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه. وبالتالي فيمكن البناء على المؤتمر في التقريب بين الفلسطينيين وليس تشتيتهم إلا إذا أصرت السلطة على التفريط بهم وبقضيتهم.

 

أما مؤتمرات مصر، فتفوح منها رائحة الخيانة والتفريط بفلسطين، كما تتسم بالشخصنة وتحاول حصر القضية الفلسطينية بين شخصين أحدهما مفرط بالثوابت والآخر أكثر تفريطا ويتعاون مع جهات إقليمية لإخضاع الشعب وتركيعه ويستهدف إحداث حرب داخلية بين الفلسطينيين.

 

والأخطر من هذا أن مؤتمرات القاهرة والعين السخنة تحاول رهن القضية لجهات خارجية عربية وغير عربية، وتسعى لتحقيق أجندة إسرائيلية تنهي القضية وتهيئ لبعض الدول العربة الدخول في تطبيع مجاني مع العدو.

 

ولمنظمة التحرير وقيادتها نقول إن هناك فرقا لا تخطئه عين المخلص بين مؤتمر يسعى لتكريس الثوابت الفلسطينية وآخر يسعى للتفريط بها، وبالتالي فلا مجال هنا للمكابرة والإنكار وخلط الحابل بالنابل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.