شعار قسم مدونات

العَودَة لسَابقِ عَهدكْ

blogs - صلاة

وَبينَمَا نَحنُ نَمْضِي فِي طَريقَنا، صَمَتَ هُنيهَة، ثُمَّ أرْدَفَ قَائِلاً: فَلتَعلمُوا يَا أحبَّة، أنَّ اللهَ سُبحَانهُ يَعَلمُ مَا بالقَلبِ مِنْ وَهَنْ وَحُبّ وفقَدٍ وَحَاجَةٍ، وَيعَلمُ مَا فِي ثَنَايَا الرُوُحِ مِنْ وَحشَةٍ وتيهٍ وَحنينٍ وَبُعدْ، وَيعلمُ مَا تُخفيه أعيُنْ المَحزُونينْ مِنْ شَوقٍ وَتلهُفّ لِمَنْ فَقَدُوا، وَأنَّهُ سُبحانَهُ يَعلمْ أنَّ بالنفسِ الكَثيرْ وَأنَّهَا تَخشّى أنْ تَضِلْ أوْ تُضَلْ، وَأنَّ اللهَ يَبَتغِي لقَلبكَ وَرُحُكَ مَا بهِ تَطمئنَّ وَتهدَأ، وَأنَّهُ يُحيطُكَ بنورهِ وَرَحمَتهِ.
 

ثُمَّ أنْتَ غَارقٌ فيمَا لا يَصْلُحْ لحيَاتِكْ، وَأنَّكَ دَائمُ الحِيرةِ لا تهتدي سَبيلاً، وَأنَّكَ غَافِلٌ شَديدُ الغَفلةِ عمَّا هُوَ أوْجَبْ، فَأرْهَقَتَ نَفسكَ وآلمَتَ مَنْ يَلتمسُ قُربكْ، وَآذيتَ رُوُحكَ وَأوهنْتَ قَلبكْ، وَصِرتَ لا تَهتدِي الطُرق وَلا تُحسِنْ التمَاس رفْقَتَكْ، وَترَكتَ حياةً لطَالمَا كْنتَ سعيداً بهَا، نعمْ هَكذا يَكونُ حالُ القَلبِ مثلُ الشَريد التائِه، لوْ ظلّ يبحثُ عمّن يأويهِ مِنْ قَريب أو حبيبْ أو رَفيقْ يكتشفْ أنّهُ غَريبْ، تيْه القَلب مَا أقسَاهُ وأفْظعه ،لذلكَ قد وجبَ عليكَ أنْ تَلتمسْ لنفسِكَ رُكنٌ بعيدٌ فتسكنْ فيهِ حتى يَسْكُن قلبُكَ ويَهدأ.

وَلتَعلَمْ أنَّكَ إنْ أرَدتَ أنْ تَبَقى كمَا أنْتَ، هَذا يَسْتَنفذُ مَنْ الوَاحِدِ مِنّا الكَثِيرْ، الكَثيرُ مِنَ العُمُرِ والرُوحِ والقَلبِ والعقَل ومِنْ أعصَابِكَ مَا يُرهقَكْ، ولَكنّ السبيلُ في عَدمِ فقدانِ مَا تُحب أنْ تَكونَهُ يُحَقّ أنْ يُبَذلْ لهُ مَا يُثْقِلُ كَاهلُكَ وأنْ تتَجَلّد وتُدرِكْ أنّ ذَلِكَ خَلاصٌ ممّا يَجعلُكَ في حيرةٍ مِنْ أمرِكَ، "فَاقَتَصِدْ في جُلّ أمْركَ فَلا تُفرِطْ في القَسَوةِ، فَأوّل مَنْ يُصابُ بهَا قَلبُكَ ورُوحكَ، ولَا تَكُنْ هيّناً لينّاً تَتَرُكَ مَا يُؤلمَكْ.
 

البُغية في أمرنَا هذا هو أمرٌ واحد فقط، أنْ نعود كمَا كُنّا فقطْ، إلى الحياة التي كُنّا نسعدُ بهَا ونطمئنّ إليها وَنأنَسْ بهَا، وَأنَّ الّذي بالقَلبِ وَالرُوحِ مِنْ وَهَنٍ وضَجَرْ، سَيُجَبَرُ حَتمَاً إنْ آوَيتَ إليهِ ونَاجيتَهُ بمَا كَانْ.

ثُمَّ أنَّ حالتُكَ المِزَاجيّة النَفسيّة إنّمَا تَنبُعْ ممّا يَكونُ بِقلبكْ لا ممّا تصْطَنعهُ زَاعمَاً أمَامَ غيْرُكَ، وَأنَّ طِيبِ عَيشُكَ ومِلاكُ أمْركَ لَا يَكُون إلاَّ بمَا تسعَى أنْتَ جَاهِداً لبلُوغهِ وَتَحْصِيلهِ، فَإنْ أنْتَ لمْ تُدَركْ حقيقةُ عَيشِكْ وَسعادَةُ وجُودكْ، فقَدْ أضَعتَ يَا رَفيقِي مَا قَدْ لا يَنْدَمِلُ مَعَ الوَقتِ، فَلا تًقحِمْ نَفسُكْ فِيمَا يُشْقِيكَ ويَنّغصُ عَليكَ حَياتَكْ، وَأنَّ هَذا ليسَ ببعيدٍ عَنْكَ إنْ أبصَرتَ حَقّاً.
 

وَأنَّهُ قَدْ وَجبَ عَليكْ أنْ تبَتَغِي الرّحمَة فِي جُلّ أمْركَ، وأنَّ نَفسكَ أولى بأنْ تَرحَمهَا وَلا تُشَتتْ كَيانُهَا، وَأنْ تَلتمِس الرحمَة بمَنْ يُواسُوكَ في مُصَابِكْ وَيئنُّونَ لمَا تَئنَّ أنْتَ بهِ ؛ فَابَذِلْ لأهلْ الجَوَيَ مِنْ الرَحمَة والمُوَاسَاةِ مَا تَسْلو بهِ أرْوَاحهمْ وتَلينُ بهِ قُلُوبَهُمْ وَإنْ كُنْتَ في مِثل حَالهِمْ، فَمَنْ بهِمْ أسَى يَعلمُونَ بمَا يَمُرّ بهِ المَكَلُومينِ.

وَدَرّب قَلبك عَلى الرَحمَة واللينْ حَتى تَكُونَ مَلاذاً لمَنْ بهِمْ وَهَنْ، فَاللهُمَّ رَحمَاتٌ عَلي مَنْ كَانَ عَوناً لنَا فِي سَيرنَا إليكْ، طَابتْ تلكَ الأروَاحْ والقُلوبْ التي بَذلتْ وضحّتْ، فَأنْتَ لا تقوَى عَلى السيرِ وَحدكْ وَأنَّهُ قَدْ وجَبَ عليكَ أنْ تلتمسَ رِفْقَة تطمئنّ لهَا وتأنسْ بقربهَا وتسعدْ لسَعيهَا إليكْ، فَالتَمِسْ قُربهمْ وصِلهُمْ، فَأنتَ لا تَدَريْ مَا يَكُونُ بغدٍ، ولتعَلمْ يَا رفيقْ أنَّ شُعور الفَقَدِ مُرهِقْ مُؤلمْ مُوجِعْ يَحرقُ قَلبكْ.
 

لِذلِكْ وَجَبَ عَليكَ أنْ تَنْتَبهَ لِهَذا، فَعمرُكَ ليسَ بالمُؤمّلِ أنْ تُصْلِحَ فيه مَا أضعتَ، فَأنْتَ لا تَدَريْ مَتَى تَذهَبْ، وَأنَّهُ وَجبَ عَليكَ أنْ تؤوب إليهِ وتَسْكُنَ جَانبهِ، وَأنْ تُحسِنَ الظَنَّ بمَنْ يَلتمسُ رَاحتكْ، وَأنْ تَحرصْ عَلى مَا يَنْفعُكَ فِي أمْرِ دِينكَ وَدُنيَاكْ، وَكُلّما أصَابكَ عَجزٌ فَارجِعْ مَرةً أخرَى وَقاوِمْ، فَلا نعيمٌ دَائِمْ وَلا شَقاءٌ مُستَمر.
 

ولتَعلم أنّ البُغية في أمرنَا هذا هو أمرٌ واحد فقط، أنْ نعود كمَا كُنّا فقطْ، إلى الحياة التي كُنّا نسعدُ بهَا ونطمئنّ إليها وَنأنَسْ بهَا، وَأنَّ الّذي بالقَلبِ وَالرُوحِ مِنْ وَهَنٍ وضَجَرْ، سَيُجَبَرُ حَتمَاً إنْ آوَيتَ إليهِ ونَاجيتَهُ بمَا كَانْ، فَاصْبِر واقَتَصِدْ، ثُمَّ اعلَمْ أنَّ الّذي كَانَ مَا هُوَ إلا تَمْحيصٌ لِقَلبكَ وَرُوحكَ، حَتَى تَرجِعْ لمَا كُنْتَ عَليه مِنْ ثباتٍ ويَقينْ ومَا كُنْتَ تَألفُه مِنْ حَياة قَدْ فَقَدتهَا فَاعلمْ ثُمَّ اعمَلْ وكُنْ طَيّب الرُوحِ وَالأثَر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.