شعار قسم مدونات

هذا الوطن لا يليق بنا

blogs - شاب فلسطيني
نعم ها أنا اليوم في منزلي محاط بعائلتي، وبعد قليل سيبدأ فيلمي المفضل، ولا يغيب عن ذهني إرسال رسالة لمحبوبتي بأني أحبها قبل أن يغط جفني في نوم عميق، لأستيقظ غدا صباحا متجها لجامعتي الحبيبة التي أخذت من عمري 4 سنين شارفت على الانتهاء، وأنا سعيدٌ جدا بأن تخريجي من الجامعة العربية الأمريكية بدرجة البكالوريوس من تخصص اللغة العربية والإعلام، فهو أمر يدعو للفخر والسعادة.
أما ما كتب في الفقرة التي سبقت هذه فهو يحتمل بعضاً من الكذب وبعضا من الصدق، فأنا سعيد بعائلتي لكني قلقٌ على جمعتها من أثر الاحتلال الذي أفقد البعض عائلته، نعم سيبدأ فيلمي المفضل لكني لم أقل أن جل أفلامي أصبحت عن الأشلاء المنتشرة في الشوارع العامة وأمام الناس المارة، ونعم هي محبوبتي التي ستتلقى رسالة مني أخبرها أني أحبها جدا، لكني قلق على ألا أستيقظ لأتلوها لها صباحا مع شروق الشمس، وسعيدٌ جدا بما سيضاف إلى قائمتي الشخصية من شهادة بكالوريوس مع قليل من الشهادات التقديرية، لكني مضطربٌ بعض الشيء على مستقبها في هذا الوطن.

أنا الآن لا أرى نفسي إلا مهاجرا، تاركا أرضهم وذاهباً لأرضي، وما هي أرضي التي أبحث؟

إن جل ما أفكر به الآن هو البحث عن ملجأ لي ولعائلتي من هذا البلد الذي لم يعد يدعو للطمأنينة أبدا، ولم يكن بلد سلام مطلقا، وتنازعت به كل الأطياف وكل أصحاب اللحى يهودا كانوا أم مسلمين، يبحثون في أحشائها عما لا يوجد بها، ويدفع ثمن هذا البحث كل شخص عاش بالقرب من حفرتهم الخبيثة.

هنا، حيث الجشع والطمع والظلم والكره والأنانية والمرض،  هنا ترى شعبا فارغا محاطا بالعنصرية والانفرادية، ولا أستثني من اتهامي هذا أحداً، حكومة كانت أم شعباً، فالكل يلقي على غيره مكائدهُ، والكل يبحث عن مصالحه وما بين هذا وهذا، بقي عُشر الوطن، وتسيف الاحتلال بالبقية واستملك الأرض والشجر والسماء واشترى القضية، وأخذ كل ما لا يؤخذ، ولكي لا أكون كاذبا، نحن من أعطيناه بإرادتنا وبكامل قدراتنا العقلية، ولا ألوم الاحتلال لأن الأهم له هو تحقيق غير المحقق، لكن ألوم هذا الشعب الذي استنفذ قدراته بالبعبعة الكاذبة والوطنية الفارغة والحزبيه العفنة.

أنا الآن لا أرى نفسي إلا مهاجرا، تاركا أرضهم وذاهباً لأرضي، وما هي أرضي التي أبحث؟ هي تلك التي إذا جلست بها عانقت ترابها واستلقيت بها آمنا بنفسي وجسدي ومالي، هي تلك الأرض التي يراك شعبها إنسانا لك الحق في العيش، وتراك حكومتها أن لرأيك حرية ولاختيارك أحقية.

سأخرج منها مسرعا ولن أنظر للخلف أبدا، خروج النبي لوط من قومه، لكني ومع يأسي وكرهي الشديدين، إلا أنني سأخبر أولادي في المستقبل عن أصولهم الحقيقية، عن الديموقراطية في بلادهم وعن الحرية، عن السلام وعن الدولة الفلسطينية، سأكذب قليلا عليهم لكي لا يقال عني قد خان القضية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.