شعار قسم مدونات

برشلونة والريمونتادا المستحيلة

blogs - برشلونة

الريمونتادا كلمة إسبانية تعني العودة وفي كرة القدم تعني العودة في النتيجة بعد التأخر.
"في البدء كان المستحيل"
التاريخ: الخامس والعشرين من مايو لعام 2005.
التوقيت: 9:45 ليلاً بتوقيت مكة المكرمة.
المكان: استاد "أتاتورك" في غرب العاصمة التركية إسطنبول وأمام أكثر من 80 ألف مشجع.
 

الحدث:
يتنافس كلاً من العملاقين الإنجليزي ليفربول والإيطالي ميلان على خطب ود الأميرة الأوروبية في نهائي دوري الأبطال. ما حدث في الشوط الأول من المباراة ما زلت أتذكره وكأنه كان البارحة، كان درباً من الخيال فلقد انهار الفريق الإنجليزي تماماً أمام المد الإيطاليّ وتلقت شباكه ثلاث أهداف في الخمس وأربعون دقيقة الأولى من عمر اللقاء في سيناريو لم يتوقعه أشد المتفائلين من الإنجليز، مع ولوج الهدف الثالث المرمى الإنجليزي صاح صاحب الحنجرة المميزة عدنان حمد الحمّادي: "خلصت المباراة، خلصت خلصت".

هكذا ظن الكثيرون وأنا منهم، أما عن عشاق ليفربول والمتيمين به، فقد كان أقصى أمانيهم هو هدف شرفي لإنقاذ ما تبقى من سمعة الإنجليز وتحفظ مكانتهم. لكن بعيدًا عن المحبطين بقيت هنالك قلة مؤمنة بقدرة ليفربول على العودة، هذه الفئة كانت تغني بإيمان عجيب أشهر أغاني الفريق:
"You’ll never walk alone" إنك لن تمضي وحدك.
 

إن كان قد فعلها ليفربول المحبط ثلاثية كاملة في ظرف خمسة عشر دقيقة أمام الميلان المرعب، فبالتأكيد يمكننا أن نستأذن من المدرب الشاب الإسباني إيمري ونسرق منه حلمه الذي يعيشه حاليًا ونحوله إلى كابوس لن ينساه أبدًا.

هذا الإيمان النابع من الحب الخالص المُجرد للفريق، نشجع ليفربول لأننا نحب ليفربول، لا لأنه يفوز بالبطولات بل لأنه ليفربول. هكذا ببساطة. في الشوط الثاني حدثت المعجزة، عاد ليفربول بثلاثة أهداف في أقل 10 دقائق في سيناريو مجنون، قاتل، مرعب، سَمِه ما شئت، لكنه عاد! في نهاية المباراة احتكم الفريقان لركلات الترجيح في النهاية التي أنصفت ليفربول وأهدته اللقب الغالي!

(2)

منذ ليلة الثلاثاء الكئيبة التي خرج منها برشلونة من ملعب حديقة الأمراء في العاصمة الباريسية مثقل بعارٍ سيطارده لزمن طويل وعقلي المتيم بحب برشلونة لا يتوقف عن التفكير في مباراة العودة في الكامب نو وخلق سيناريوهات تُخضِع المستحيل وتجعله حقيقة وواقعًا في ليلة الأربعاء الثقيلة. 
 

أشعر كأنني طفل، يعيش ربما في كاليفورنيا أو مونتريال، ينتظر هدية أعياد الميلاد من والديه وأن لحظة سماع الأجراس هي لحظة ميلاده الحقيقي حين يعطيه والديه الهدية التي ظلّ عامًا كاملًا يحلم بها. بالضبط، الزمن قد توقف بي عند ليلة الثلاثاء السخيفة تلك ويبدو أن عجلته لن تدور إلا عند إطلاق الحكم صافرة نهاية مباراة العودة، وحتى تلك اللحظة كل شيء متوقف بحق في حياتي.
 

أستيقظ في الصباح الباكر وأذهب إلى المحاضرات، كل محاضرة زمنها ساعتين، قد تمر عليك محاضرة ما وكأنها دهر بأكمله لرتابتها وثقل ظل المُحاضر وقد تمر عليك أخرى وكأنها دقيقتين لغزارة محتواها وسلاسة أسلوب المًحاضر، لكن حاليًا كلاهما سيان بالنسبة لي، فمع بداية كل محاضرة أخرج دفتري وقلمي لأكتب خلف البروفيسور أهم النقاط والمراجع لكنني أفاجأ في نهاية كل محاضرة أنني قد حولت الأوراق البيضاء إلى السبّورة الفنية الموجودة في مكتب لويس إنريكي -مدرب برشلونة-، أضع كل الخطط الممكنة للمباراة. 4-3-3 المعتادة ويجب أن نثق في أنفسنا وطريقتنا التي اعتدنا عليها لكن سرعان ما يضربني همّ الجبهة اليمنى ومعاناة سيرجي روبرتو التي لا تتوقف وانخفاض مستوى بوسكيتس وإنييستا مما يعني صعوبة الخروج بالكرة من مناطقنا في حال ما طبق باريس سان جيرمان الضغط العالي كما هو متوقع، فأقلع عن الفكرة بأسرها تمامًا.
 

إذًا الحل يكمن في 3-4-3 وملء خط الوسط، الخط الأقوى عند الباريسيين مع إدخال رافينيا على الرواق الأيمن وضم أيًا من سيرجي أو ماسكيرانو إلى جوار بوسكيتس لضمان السيطرة على دائرة المنتصف واسترداد الكرة بأقصى سرعة ممكنة، مع إرسال راكيتيتش إلى الجبهة اليسرى بدلًا من إنييستا المرهق فتنشط الجبهة اليسرى بتواجد الكرواتي جنبًا إلى جنب مع ألبا ونيمار، ويكون ميسي رأسًا لشكل معين في وسط الملعب وأمامه كلًا من سواريز ونيمار الذين يأتون من الأطراف باتجاه العمق.

أضع القلم واتنهد تنهيدة ثقيلة معبأة بالهموم والكآبة، فالمهمة مستحيلة، أربعة أهداف كاملة يجب تسجيلها لمعادلة النتيجة والذهاب إلى أشواط إضافية دون تلقي هدف واحد وأمام فريق يعيش واحدة من أجمل لحظاته الكروية.
 

إن فعلها الأهلي وليفربول ومانشستر يونايتد عندما سجل خماسية أمام توتنهام في شوط واحد بعد أن تأخروا بثلاثية بيضاء في الشوط الأول، فإن برشلونة بجيله الأسطوريّ الحالي قادر على صناعة المستحيل.

لكن ثانية واحدة من فضلكم يا سادة!
يقول كارلو أنشيلوتي، عن نهائي إسطنبول 2005: "لقد لعبنا بشكل مذهل في الشوط الأول، لقد كان أفضل شوط لنا في تاريخنا ربما، لكن لا أعرف ماذا حدث بعد ذلك". ما حدث كان سحر كرة القدم سيد كارلو. إن كان قد فعلها ليفربول المحبط ثلاثية كاملة في ظرف خمسة عشر دقيقة أمام الميلان المرعب الذي كان قد لعب أفضل أشواطه تحت قيادة أنشيلوتي، فبالتأكيد يمكننا أن نستأذن من المدرب الشاب الإسباني إيمري ونسرق منه حلمه الذي يعيشه حاليًا ونحوله إلى كابوس لن ينساه أبدًا.

في 2006 وتحديدًا بعد مباراة الذهاب في نهائي دوري أبطال أفريقيا في القاهرة، تعادل الأهلي المصري والصفاقسي التونسي بهدف لكل منهما مما يعني أن التونسيين قد اقتربوا كثيرًا من الأميرة السمراء، ولم يكذب لاعبوا الصفاقسي خبرًا وبدأوا الاحتفال باللقب من حجرة تغيير الملابس في استاد القاهرة، قبل أن يقطع عليهم احتفالهم البرتغالي المخضرم مانويل جوزيه ويدخل إلى الحجرة ويوعدهم بأن الأهلي سيعود بالكأس من تونس في مباراة الإياب، لكن حتى اللحظات الأخيرة بدا أن البرتغالي لن يستطيع أن يوفي بوعده لكن نجم وبطل كرة القدم المصرية محمد أبو تريكة آمن بالأمل وأطلق طلقة بيسراه ليقتل مدينة بأكملها ويخطف الأهلي اللقب من فم الأسد.

إن فعلها الأهلي وليفربول ومانشستر يونايتد عندما سجل خماسية أمام توتنهام في شوط واحد بعد أن تأخروا بثلاثية بيضاء في الشوط الأول، فإن برشلونة بجيله الأسطوريّ الحالي قادر على صناعة المستحيل وخلق ريمونتادا مستحيلة يتأهل بها إلى ربع نهائي دوري الأبطال، وليتذكر الجميع ما قاله عصام الشوالي في ليلة الرسام إنييستا عن كرة القدم "غدارة غدارة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.