شعار قسم مدونات

ما بعد الجامعة مجتمع متناقض

blogs - student
نسعى سعيا حثيثا، ونسهر الليالي لنفوز بمقعد في أرقى الجامعات المرموقة في وطننا العربي، ونقضي سنين الدراسة الجامعية ونحن نمنى النفس بقائمة من الأحلام، نضع ميقاتها بعد التخرج فنمضي بإصرار أكبر وعزيمة أشد؛ لنتفوق ويتكلل الجهد بالتخرج بأعلى التقديرات، فنكتشف الفاجعة! ونعود صفرا في مجتمع الحياة كأننا نازحين يجري دمجنا في مجتمع غريب يختلف تماما عما درسنا عنه حتى في أخلاقه التي دافعنا عنها، وأرهقنا السنتنا دفاعا وذودا عن قيمه وحضارته وتراثه.

ما إن تضع سنوات الجامعة خلفك حتى تكتشف أنك جندي يحمل سلاحا من العصر الحجري، مقابل جيوش تحمل اسلحة فتاكة! ما بين فهمي للحياة واحتكاكي بها بعد تخرجي وقد مر عليه قرابة العامين، لاقيت أمورا تعارف عليها المجتمع الخارجي وسلم بها، تناقض الآداب، وتصرع الأخلاق، اختلقها الناس بلا وعي علمي ولا وازع ديني. تعلمنا أن تعامل الأفراد لابد أن يستند إلى الأخوة وإنكار الذات، ووجدنا بأن تلك المعاني لا يعتبرها المجتمع سوى فلسفة ومزايدة في الحديث.

تسعى كثير من الدول لاستهداف العقلية الإسلامية قصدا؛ لسلخها من قيمها السمحة المقاومة للزحف الإباحي الغربي، الذي للأسف سيطر على عدد من الدول، وجعلها أسيرة إعلامه.

من أراد أن يعلم سر انهيار المجتمعات الإسلامية الحديثة، فلينظر إلى نظرتها إلى متعلميها ومثقفيها، فإنه يجد بأنه قد اتسعت هوة الخلاف، وتقطعت أسباب التوافق، فهي بالتأكيد متجهة نحو كارثة، إن لم تتداركها الأمة فستخسر مستقبلها، كما خسرت حاضرها، فجهل المجتمع واستخفافه بالباحثين والمصلحين قد يجره إلى قرار سحيق من الوهم والتخلف والتبعية العمياء، التي تضع من قدره ولا ترفع، وتنخر في قوامه ولا تمنع من سقوطه وانحلاله وزواله واتجاهه إلى ما دون الرقي المطلوب، والتماسك المحمود.

تسعى كثير من الدول لاستهداف العقلية الإسلامية قصدا؛ لسلخها من قيمها السمحة المقاومة للزحف الإباحي الغربي، الذي للأسف سيطر على عدد من الدول، وجعلها أسيرة إعلامه، خادمة موضاته وصيحاته. والهم الذي يؤرق كثير من المحافظين على القيم الدينية الإسلامية هو، كيفية إقناعهم للناس بقبول المقاصد الشرعية في إصلاح المجتمع، مع وجود الآلة الإعلامية الغربية وسيطرتها على زمام العقل المتصارع عليه! فهي تحشو الأدمغة بما لذ وطاب من المواد التي اصبحت مقبولة ومرحبا بها فيما بعد الغزو الإعلامي، فلم تفلح جهود المصلحين حتى الآن في إرجاع العقول المتمردة، والقلوب المغطاة بزيف الحقائق وشؤم المصائب.

وفي ظل الانقسام السياسي والديني الحالي في الوطن العربي، يصعب وبشكل كبير مخاطبة الناس بهذا الشأن وهم في غمرة الحروب الطاحنة، والفتن الماكرة، إلا إنه كان بالإمكان إيصال الرسالة ما قبل الطوفان؛ ليستديروا ويدركوا أين الخطر الحقيقي الذي تسبب فيه مقاطعة العوام للمتعلمين وإهمالهم، وترك الساحة للغوغاء من العسكر وغيرهم ممن يعجب بهم المجتمع، ويجلهم ويحترمهم.

لكنها كانت الكارثة! والقشة التي قصمت ظهر البعير، وأطاحت بعدد غير يسير من المسلمين، وجعلت أفكارهم بعيدة كل البعد عما أريد لهم أن يعرفوه عن نظام دينهم، وضربوا بعرض الحائط كل ما خصص لهم من فتاوى وقصدهم من اقوال تضمن لهم تماسكا اجتماعيا، وتفوقا اقتصاديا، وعلوا عسكريا، فهم الآن يحرثون أرضا يبابا وحلما سرابا، وينتظرون وعودا كاذبة، وطموحات يستحيل تحقيقها دون وعي وإدراك للهدف المقصود والغاية المنشودة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.