شعار قسم مدونات

هل حقاً مات الربيع العربي؟

blogs - rabaa

تمهيد:
مثلما نجحت ثورة يناير في إزالة مبارك وتحفيز دوافع التغيير لدى شعوب المنطقة، كان أيضاً انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 حدث فارق في تاريخها، إذ استطاع جناح الثورة المضادة أن يوجه ضربة قوية للقضاء على أحلام التغيير التي كانت تهدف، إقامة نظم أكثر احتراماً لحقوق الإنسان، وأفضل دعماً لحياة كريمة وعادلة لشعوب العالم العربي والإسلامي.
 

فلقد مثل عام 2013، وبالتحديد اليوم الذي سقطت فيه الحكومة المنتخبة في مصر حيث مثلت انتكاسة كبرى في أحلام التغيير في الوقت الذي كانت فيه الثورة السورية في أوج مراحلها وبوادر نجاحها في تحرير باقي المناطق الخاضعة لسلطة النظام. فمنذ ذلك الحدث أخذت التقارير والتحليلات التي تؤكد حلول الخريف العربي وفشل مشاريع التغيير، وتزايدت الآراء حول إعلان موت الربيع العربي، فهل حقاً مات ربيع الشعوب العربية؟
 

لم يكن بالأساس ما حدث في مشهد 3 يوليو بمثابة انقلاب عسكري على سلطة منتخبة بقدر ما كان ضربة مركزة وجهتها الثورة المضادة لصالح دعم المنظومة العسكرية.

مشهد إقليمي جديد:
لقد تصدرت تركيا وقطر مشروع مساندة الثورات العربية وبالأخص حركات الإسلام السياسي من أجل إنجاح مشاريع التغيير في المنطقة، والبرهنة على المبدأ القائل بأن الدمج سيؤدي حتماً للاعتدال، وأن مشاركة تيارات الإسلام السياسي ونجاحها سيكون في صالح إضعاف العناصر الأكثر تشدداً في التغيير.

ولكن تأسس مشروع للثورة المضادة تبنته أطراف محلية وإقليمية ودولية من أجل إفشال مشاريع التغيير والتآمر عليها نتيجة خوف الأطراف الإقليمية على أنظمتها من عدوى إنتقال الثورة إلى مجتمعاتها، بالإضافة إلى خشية الأطراف الدولية على مصالحها. ولكن أدى نجاح الثورة المضادة إلى حدوث تغير في طبيعة التحالفات وأهداف متصدريها فانطوت قطر بعض الشيء تحت جناح السعودية، وتوقفت عن دعمها اللانهائي لمشاريع تغيير، أثبتت التجربة فشلها لعدة أسباب ذاتية وغير ذاتية، كما أن تركيا وجدت أن أمنها الداخلي وعمقها الاستراتيجي قد تعرض لتحديات خطيرة، في ظل تعقد بيئة النظام الإقليمي والدولي وتعمق أزماته.

ومن هنا حدث تغيير في الأطراف المحركة للمشهد الإقليمي لصالح هيمنة محور السعودية والإمارات اللذان تصدرا المشهد من أجل إعادة القوي التقليدية للنظام الإقليمي في المنطقة وإجهاض التغيرات الجذرية التي جاءت بها الثورة خاصة، إذا كان الإسلام السياسي هو بديل تلك القوى. وبالأخص في ظل استمداد السعودية للشرعية الدينية في تبني خطاب المتحدث الروحي باسم قضايا الإسلام والمسلمين، برغم التطمينات العديدة التي حاولت أن تقدمها جماعة الإخوان، ومن هنا كان فقدان جناح الثورة لطرفين في غاية الأهمية لصالح مستقبل مشروعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي بل وحتى الحضاري والتاريخي.
 

ثورة مضادة وليس انقلاب عسكري:
لم يكن بالأساس ما حدث في مشهد 3 يوليو بمثابة انقلاب عسكري على سلطة منتخبة بقدر ما كان ضربة مركزة وجهتها الثورة المضادة لصالح دعم المنظومة العسكرية، فالثورة المضادة ترسخ وتشير أكثر لسلطة الانقلاب داخلياً، لأنها تستخدم نفس أساليب الثورة من الحشد وتوجيه الخطاب الإعلامي ضد الحشود المختلفة من فئات المجتمع المتفاوتة والسعي لإحداث شرخ اجتماعي يمهد الطريق لممارسات الفاشية العسكرية، وتحقيق قبولي مجتمعي لهذه الممارسات باعتبار أن هذا الجزء من المجتمع غير شرعي ويسعي لتنفيذ مخططات تستهدف الإضرار بالدولة المصرية، وهي نقطة لم تدركها قيادات الثورة جيداً. استطاع النظام إحداث خلخلة كبيرة في معسكر الثورة عندما أسقط الكتلة الأكبر منه والذي يتمثل في الإسلاميين.
 

ثم استكمل النظام القضاء على معسكر الثورة بحملات اعتقال كبيرة طالت قيادات ثورية ومدنية مختلفة بهدف القضاء تماماً على أي مستقبل لمشروع الثورة، وترسيخ حالة من اليأس والإحباط داخل الطبقات المختلفة المؤيدة للتغيير، باستخدام أداة الإعلام كرأس حربة لهذا المشروع.
 

كانت الخطة أن أخذ العسكر يتناوبون على التحالف مع الإسلاميين في بداية الثورة ثم التيارات المدنية والليبرالية بعد ذلك، والذي نتج عنه مشهد 3 يوليو، الذي كان جزء منه أكبر رمز مدني ليبرالي في مصر "البرادعي"

خطايا في معسكر الثوري:
يقول الدكتور عزمي بشارة أن أحد أهم أسباب إخفاق الثورة في مصر هو الاستقطاب الاَيديولوجي والسياسي الذي حدث بين معسكر الثورة نتيجة التصارع على سؤال: من يحكم؟ بدلاً من التركيز على سؤال: كيف نحكم؟ إن ما كانت تحتاجه الثورة هو بناء نظام حكم ديمقراطي يرسخ لهيمنة قيم العدالة والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، ويحسم قضية العلاقات المدنية العسكرية لصالح المدنيين ويمهد الطريق لبناء دولة تقوم على التداول السلمي للسلطة، من خلال تبني اَليات التحول الديمقراطي وإدارة المرحلة الانتقالية بطريقة سليمة بالاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى.
 

لقد كان هذا السبب هو العامل الأكبر على نجاح الثورة المضادة التي سعت لتزكية الخلاف والاستقطاب الاَيديولوجي بين معسكر الثورة والذي انتقل بالتبعية إلى المجتمع، الذي نظر إليه باعتباره صراع سلطة لا ناقة لهم ولا جمل فيه، حتى تم تفكيك معسكر الثورة بالكامل.

 فكانت الخطة أن أخذ العسكر يتناوبون على التحالف مع الإسلاميين في بداية الثورة ثم التيارات المدنية والليبرالية بعد ذلك، والذي نتج عنه مشهد 3 يوليو، الذي كان جزء منه أكبر رمز مدني ليبرالي في مصر "البرادعي". ثم تشكيل حكومة جاء على رأسها قيادات من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، ثم بعدها إزاحتهما معاً من المشهد وسيطرة مجتمع العسكريين والأمنيين لشغل الفراغ المؤسسي، ثم الاستعانة برجال مبارك لمحاولة تأسيس نظام سياسي يرتكز على تجميع مصالح مختلفة، يحدث توازن للقوى السياسية والاقتصادية.
 

ميلاد طبقة ثورية:
لقد كان ميلاد ثقافة سياسية جديدة تقوم على شكل مختلف من علاقة المواطن بالسلطة أحد، أهم النتائج التي جاءت بها الثورات العربية. فبعد أن كان شكل العلاقة التقليدية يقوم على فكرة الخضوع الكامل من جانب المواطن تجاه السلطة، دون اهتمام بالشق الخاص بحقوق المواطن وواجبات السلطة ارتكازاً على عقيدة الخوف من بطش السلطة.

الشعوب هي جسد الثورات، وإن الغضب هو وقودها وإن وجود التنظيم صاحب الرؤية الرحبة الموسعة لما هو ضيق والمواجهة لما هو استقطابي، هي من العوامل التي تساعد على نجاح الثورات.

حيث تأسست ثقافة جديدة تحترم قيمة الاختلاف وتقوم على مبادئ الحرية والمساواة والعدل، وتدرك حق الجميع في تبني الآراء المتوافقة مع ميوله دون الخوف من فقدان حريته، وهو نقطة قوة أدركها معسكر الثورة المضادة جيدًا فسعى إلى تبني خطة متكاملة تقوم على ثلاثة عناصر للقضاء عليها وهي: تشويه صورتهم مجتمعياً، باعتبارهم عملاء يخضعون لأجندات خارجية تستهدف زعزعة أمن واستقرار البلاد، ثم نشر الإحباط واليأس داخل أوساطهم بعد توجيه ضربة 3 يوليو، وأخيراً الاعتقالات والتصفيات الجسدية المباشرة لمن استمر دون خضوع.
 

لابد أن تعتمد قوى التغيير على زيادة توسيع رقعة هذه الطبقة باعتبارها ستتحمل الجزء الأكبر في نشر قيم الثقافة السياسية الجديدة وسط القطاعات الاجتماعية المختلفة، وتجاوز مرحلة التآكل التي تتعرض لها هذه الثقافة نتيجة يأس حامليها بسبب ما اَلت إليه الأوضاع. وسعي السلطة الدائم نحو إعادة الثقافة التقليدية لعلاقة المواطن بالسلطة والتي تقوم على الخضوع والخنوع.
 

خاتمة:
إن الشعوب هي جسد الثورات، وإن الغضب هو وقودها وإن وجود التنظيم صاحب الرؤية الرحبة الموسعة لما هو ضيق والمواجهة لما هو استقطابي، هي من العوامل التي تساعد على نجاح الثورات. وإن ما تحتاجه الاَن قوى الثورة هو إعادة تنظيم صفوفها من جديد، والاتفاق على الاَليات التي يمكن الارتكاز عليها في ممارسة السياسة، وبناء أرضية مشتركة تنظم التعددية والتداول السلمي للسلطة وترسخ لقيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وإعادة الأمل إلى طبقة الثورة التي يمكن من خلالها إنجاح مشروع التحول الديمقراطي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.