شعار قسم مدونات

كم صدّيق وابن خطاب يلزمنا!

blogs - طفلة مصابة

ماذا لو كان بيننا..

إنها الثانية عشرة بعد منتصف الليل بتوقيت هذا العالم، صمت الظلام الموحش وأجساد البشر الملقاة على أسرّة الأحلام، كأنهم موتى لا حراك ولا كلام، في كل ليلة يتكرر المشهد ذاته، تكمم الأفواه ويسدل الليل ظلامه على رواد هذا الكوكب، أتأمل من نافذتي صمت الشوارع وتجمد الحياة في الخارج، أذكر أنني تأملت المشهد ذاته في ساعات الصباح الباكرة، لا وجه مقارنة بين النهار والليل، كمن يقارن تماما بين الحياة والموت، أيكون مشهد الليل هو ذاته عند نفخة الصور! عندما يأمر الله عز وجل إسرافيل أن ينفخ تلك النفخة التي نصبح بها جميعاً وكأننا في الثانية عشرة بعد منتصف الليل من كل يوم!؟ 

تلك الأفكار والتخيلات التي تراودني كل ليلة عندما آخذ موقعي من النافذة، تجعلني أسترجع كل جحافل الظلم في هذا العالم، ساعة واحدة على قناة إخبارية كفيلة بأن تجعلك مشتاق لرؤية هؤلاء الأرضيون وهم نيام بلا حراك وبلا رجعة، عالم مبعثر ينتحب في كل جزء من الثانية، قوارب ممتلئة باللاجئين، أشلاء ملقاة على ضفاف البحار كانت تصارع الموت منذ برهة، لكن لا فرار من القدر، آثار أقدام في غابات أوروبا السوداء، مئات آلاف من اللاجئين قد مرّوا من هنا، أوطان تصارع الموت، وعلى ضفة أخرى من الكون أناس يترقبون أسعار البورصة هذا الشهر، يبيعون ويشترون بجثث الأبرياء النائمين على قارعة الطرقات بلا مأوى ولا حياة، وفي زاوية أخرى من لوحتنا، عجوز مسن يودع بيته للمرة الأخيرة بعدما جاءته قذيفة مزقته واقتلعت أحلامه وبقايا صغاره المهاجرين بعيداً، يكسر عكازه ونظارته، فهو لن يبصر بهما أبناءه الغرباء ولن يطأ بيته بعكازه الخشبية تلك. 
 

يتصارعون على المناصب متجاهلين تماماً بأن النهاية قد تكون قريبة جداً، غافلون عن تلك الحفرة التي هي بانتظارهم حتماً، يغلقون آذانهم وأعينهم عن الحقيقة الحتمية التي ستلمّ بهم جميعاً

ماذا لو كان بيننا؟! أيستطيع هو أن يوقف هذا الزحف من الدمار؟ بأي عين سينظر إلينا؟ أم أنه سينتظر مثلي كل يوم حلول المساء ليشاهد سلام الليل وهدوءه عند موت هؤلاء البشر لو لساعات قليلة! قال عليه الصلاة والسلام: (إذا قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة، فليغرسها) دلّني على فسيلة واحدة أغرسها في قلوب البشر علّنا نحظى ببعض من السلام قبل قيامتنا، ماذا لو كنت بيننا يا رسول الله؟ أعطنا من فسيلة أخلاقك كي نغرسها في أرواحنا العطشى، فلم نعد نبصر السلام الّا في ساعات الليل المتأخرة عندما يرحل عنا ضوء الصباح، وكأنما لا نستحق ذاك الضوء ولا تلك الشمس التي تشرق علينا، فلا نلبث أن نستيقظ حتى نكمل في أعمال الخراب والدمار في هذا العالم. 

يتصارعون على المناصب متجاهلين تماماً بأن النهاية قد تكون قريبة جداً، غافلون عن تلك الحفرة التي هي بانتظارهم حتماً، يغلقون آذانهم وأعينهم عن الحقيقة الحتمية التي ستلمّ بهم جميعاً. أهديتنا مفاتيح السلام، وتركت بحوذتنا رسالة الله الخالدة وقرة أعيننا (قرآننا) الذي ما عاد له ونيساً سوى غبار إهمالنا، وتلك الأماكن ما عادت تعرف السلام، كل بقاع المسلمين اليوم تشهد حروباً دامية، وكأنما لم تطأها أقدامك الطاهرة، حتى المساجد لم يعد لها حرمة، فكل يوم هناك قذيفة تصلي في مسجد وتأخذ معها مئات من المصلين إلى السماء، يعبثون بكل شيء، ولم نفهم معنى (أن نكون خليفة الله على الأرض) ! 

لو كنت بيننا يا رسول الله، لكنت غريباً مثل ما تركتنا تماماً، ١٤٠٠ عام مضت على هجرتك، عادت عقولنا مقفلة يغزوها الطغاة والظلم، لا نجد فاتحين لها، كم (ابن خطاب) ستحتاج ليعود عز هذه الأمة؟! وكم (صدّيق) سيلزمك يا حبيبي ليصدقوا ما جئت به ولا يصنفوك على قوائم إرهابهم تلك التي صدّعوا رؤوسنا بها؟! لو كنت بيننا، ستختار الرفيق الأعلى كما اخترته سابقاً، لكنك لن تترك وراءك عظماء كما فعلت في ذاك الزمن، ستترك ثلّة من الآخرين، يطلبون اللحاق بك، وينتظرون يوماً تشخص فيه الأبصار، فما عدنا نأمل العدل من البشريين هؤلاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.