شعار قسم مدونات

بعيدا عن قمة البحر الميت.. خطاب صومالي لكل العرب

blogs - somalia

في البدء أردت أن يكون عنوان المقال صادماً وقاسياً معاً كجلمود صخراً من علياء "الصوملة" التي سقطت في الجبّ!، أردته أن يكون من شاكلة "عندما يتحدث الشعبويون العرب"، "أقلوا علينا اللوم يا عرب" كان غرضي من الصدمة أن أكون كعنترة أذود بقلمي عن ذاتي وكياني وبلادي! التي جعلوها مضرب الأمثال الساخرة، أدركتني الحكمة ودعتني للجلوس بينكم لأحكي لكم قصتي ولكم الخيار في الموافقة أو غير ذلك.  أنا من جيل الألفية ترعرعت كغيري من شباب الصومال في ضفة الفوضى واللافوضى، متابع نهم لكل ما تتداوله الصحف الثقافية والسياسية، أتنقل كالفراشة السمينة بين المواقع والمنصات صباح مساء، ولا أنسى المجلات والكتب والدوريات، حياتي تدور بين الحروف والكلمات والجلسات الثقافية والبرامج التلفازية، ليس شرطاً أن يعجبني ما أصطاده فأنا في حالة إدمان للقراءة! 

العربية لغتي الثانية، أرتبط بها شعبي منذ اللحظات الأولى من الإسلام ففي زيلع العريقة مسجد يُدعى "ذو القبلتين" وفي حمر العتيقة مأذن الإسلام الشامخة وبينهما مضارب البدو الشجعان وسواحل القرفة والزعفران، الصومال ديار الحفاظ ففي كل ركن كتاتيب وتلاوة عطرة وعلاقة سماوية مع لغة الضاد، نحن عرب في أرواحنا تشربنا حب اللغة والإسلام من أسلافنا وتعززت هذا اللغة يوم جلسنا في جامعة العرب كعضو رقم 17 واكتملت بنا الخطط الاستراتيجية والأمن العربي القومي وسلة الغداء! 

فماذا حدث وما هي قصتي؟ لنبدأ القصة
مع زقزقة العصافير أذهب لعملي كملايين الناس وبعد يوم طويل من الروتين في المساء، يكون مسائي مع شبكات التواصل الاجتماعي، وعادة و بلا كثير تصفح، لا يُعدم يومي من منشور أعرابي من قبيل (الصومال أكثر سعادة من فلسطين بمؤشر السعادة العالمي!!!)، مقال قد يبدو عادياً لقارئ مثلك، لكنه بالنسبة لي يستوقفني كثرة علامات التعجب!!!، وكأن الصومال أعجوبة إذا أقترن بالسعادة!!!. قبل أيام وجدت من غير بحث مقالا بصحيفة "اليوم السابع" المصرية الشديدة الاصفرار، لم يستطع الكاتب كتم دهشته وهضم معلومة مفادها أن الشعب الصومالي أكثر سعادة من نظيره المصري، كما جاء في تقرير مؤشر سعادة الشعوب حول العالم، والذي يقيس مدى رضى أفراد مجتمع ما عن حياتهم واستمتاعهم بها!
 

أعلموا أن أغلبية الصوماليين تُعامل العمالة العربية في المدن الصومالية بكل احترام وتقديرهم وبقية المسلمين الأجانب، هذه هي طبيعتنا فمتى سيدرك المصريون وغيرهم كرمنا وطيبتنا وكبريائنا

هل حُرمت السعادة علينا حتى تتعجب السابعة!؟ هذا غيض من فيض عندما يتعلق الأمر بالصومال الجريح وصورة بلادنا في يوميات العرب الساخرة والمشبه! قبل سنوات وقع في يدي كُتيب صدر من مجلة فلسطين المسلمة كهدية لقرآئها نُشر فيه حوار مطول أجراه ياسر زعاترة مع راشد الغنوشي تم إساءة استعمال مصطلح الصوملة بكثرة، كأنه لا توجد في الكرة الارضية المنكوبة غير مفردتي! كان هذا الحوار أول لقاء مع "معاداة الصوملة "برأي، كانت "الصوملةُ" حينها تعني انهيار الدولة وتشطئ اجتماعي.

لم يتوقف الأمر عند طبقة المثقفين بل تطور بشكل دارويني، تسابق العرب من أمثال فيصل القاسم وعبدا لله النفيسي وإبراهيم الحمامي ومركز أبعاد… الخ، أصبح الدليل الدائم على الفشل والإخفاق والتخلف والجهل وعدم وضوح الرؤية واللاعقلانية الميلشاوية في عرف هؤلاء المفكرين والساسة، وكلما وقعت فوعلة في أرض الله كانت الصوملة هي الشهيدة والمستشهد بها، بدونا مثل الفزاعة للأنظمة العربية، بالرغم من الحالات السياسية الناجحة في الداخل الصومالي كصوماليلاند وبونتلاند إلخ. إلى حد ما كنت أتفهم الأمر مبرراً بأنه صادر من إعلام عربي كسول يجيد السجع أكثر من الحرفية التي تُحتم على الإعلامي التعرٌف على البلاد قبل الحديث عنها.

لكن الأمر تجاوز كل الحدود حين وصل إلى الضفة المصرية من الإعلام العربي، ويا ليته لم يصل، فقد أصبح أسم بلدي بديلاً جاهزاً وقاموس من الكلمات والمصطلحات تعني كل شيء تقريبا (الازدراء والفقر والجوع والجنون والنقص والتسول وظاهرة أطفال الشوارع وغيرها)، وكان أكثرها غرابة وهي "الغرابة" بحد ذاتها، سيطرت مشتاقات الصوملة على الفضاء الإعلامي المصري وخاصة متى ما أراد أن يضرب جحا لأخيه عطية مثلاً في الفشل!، حتى أن رجلاً يحمل لقب الدكتوراه، مصري مقيم في السعودية أراد أن ينتقد ظاهرة أطفال الشوارع في السعودية فعنْون "هل نحن في الصومال أم في السعودية؟".

لا أستطيع سرد كل المواقف فقلبي لا يتحمل كل ترهات أحمد موسى السيساوي وعمرو عبد الهادي المعارض، فكل ما أستطيع قوله أن الصوملة دخلت الى الشاشة الصغيرة وأروقة مراكز الأهرام التي تشبه متحف الغرباء عفوا الخبراء في الشأن الإفريقي وما هم بالخبراء وقد لا يعرفون خريطتنا أصلا.

بسبب الضخ السينمائي والإعلامي فقد وصل أسمنا الى درجة أصبح فيها رديفا لكل نقيصة وهذه هي النقيصة المصرية الأكثر استفزازا لنا، لأن لأمر لم يعد يقتصر على نخبة فرعونية فارغة الضمير ومعدومة الحياء بل تسرب الأمر الى العوام كما ترجم عنها صاحب التكتوك الشهير حين أطلق شعاره الأبرز (بنت عم الصومال). لا يخلو الإعلام الخليجي من هذه الظاهرة مع تحفظ في بعض الأحيان، وليس من المستغرب على فرد عادي أن يمارس مثل هذا التحقير المنبعث من الصورة النمطية لكن لم يصل أحد إلى مستوى سخافة النخبة المصرية، فأين هي الأخوة؟ 
 

أيها العرب، يا إخوة الإسلام وجيران الخريطة ورفاق المصير لا نريد منكم أكثر من الإنصاف، ندرك أنكم بشر ونريد منكم أن تُدركوا أننا بشر، يؤلمنا التحقير والتنميط

لا أميل إلى تعداد مفاخر بلادي ومقابلتها بقبائح شعوب أخرى وخاصة الشعوب الشقيقة، وأدرك تمام الإدراك أن لكل بلد مشاكله وأن لكل شعب قضاياه وأزماته وعلى هذا الأساس كنت أتعامل ولا زلت مع الرسائل التي تردني على وسائل التواصل من إخوة مصريين يريدون الخروج من جحيم الحياة هناك ويستفسرون عن الهجرة إلى الصومال، أسعى في خدمتهم وأعطيهم المعلومات الكاملة عن بلدي، وإمكانية العيش فيها.

أعلموا أن أغلبية الصوماليين تُعامل العمالة العربية في المدن الصومالية بكل احترام وتقديرهم وبقية المسلمين الأجانب، هذه هي طبيعتنا فمتى سيدرك المصريون وغيرهم كرمنا وطيبتنا وكبريائنا. قد تسألني ولك الحق في ذلك ألا تعاني الصومال من الحروب والجفاف وعدم الاستقرار، مما يرشحها أن تصبح مثالا في الذهنية العربية؟ لا أنكر هذا، لكن هناك فرق بين أن تتعثر مسيرة شعب استمرت لتسعة آلاف سنة لبضعة عقود، وأن يعاني ويتشرد ويصبح موضوع بحث في الأروقة العلمية ومنصات الإعلام وبين أن يتم تنميطه مُتعمداً في كل أجهزة صُنع الرأي والإنتاج و تحويل اسم بلد وصورة شعب كامل إلى بعبع تخيف به نخبة مريضة شعبها المسكين، ثم يتعمق الأمر فيصبح ذاك الاسم مثالا متوارثا ورمزا متداولا لكل نقصان ونقيصة في بلد ما زال يهيمن على صناعة الإعلام والسينما في المنطقة.

أيها العرب، يا إخوة الإسلام وجيران الخريطة ورفاق المصير لا نريد منكم أكثر من الإنصاف، ندرك أنكم بشر ونريد منكم أن تُدركوا أننا بشر، يؤلمنا التحقير والتنميط الذي بسببه ترفض عجوزة في الإسكندرية إيجار بيتها لشاب صومالي مخافة أن يفتتح فيها مقرا دائما لشركة توريد مجاعات وحروب! نحب إخوتنا ونكره العنصريين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.