شعار قسم مدونات

دجالون..

blogs القمة العربية

قبل أن يصدر البيان الختامي للقمة العربية بعمّان، ويطلق العنان للخطابات العنترية والمزايدات المجانية على القضية الفلسطينية، قضية كل الزعماء، والقضية المركزية في العمل العربي المشترك.. كما يقولون.. وقبل أن يؤكد سماحة الأمين العام وجلالة الملك على المضي قدما في دعم صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي الممنهج وعلى تكريس الجهود كافة في سبيل حل شامل وعادل ودائم يستند إلى مبادرة السلام العربية ومبادئ وقواعد القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة.. لا أدري إن كانوا سيعقبون ذلك بدعاء للصلاة في المسجد الأقصى.. كما يحدث عادة في مؤتمرات لا تقل سخرية من قمة "القاع" كما لقبها بعض المدونين.. ولكن دعونا قبل كل ذلك نستعرض نبذة عن معاناة أهل فلسطين، بين إخوانهم وأشقائهم العرب..

الأردن لوحده يسمح بدخول حاملي الجواز الفلسطيني دون تأشيرة لاعتبارات تاريخية وجغرافية.. وفقط جزر القمر وجيبوتي وموريتانيا.. من بين عشرين دولة عربية أخرى، تسمح للفلسطينيين بتأشيرة دخول عند الوصول.. وهي نفس الصلاحيات التي تعطيها لحاملي الجواز الإسرائيلي.. أما البقية.. فيخضعون لمقولة "بحبك وانت بعيد"..

حيث أن الحصول على تأشيرة دخول فلسطيني للأراضي العربية المقدسة، أشبه بمهمة مستحيلة، تبدأ في قاعات انتظار السفارات الموقرة وتنتهي بأقسام ومراكز الأمن الجمهوري مرورا بمكاتب مميزة كتلك المخصصة لكبار الشخصيات.. مع فرق "التشبيه" ويكفي الفلسطيني شرف جنسيته حتى يمر بمثل هذه القاعات.. لم أكن لأحشر نفسي بمثل هذه التفاصيل.. لولا تجربة شخصية وجدتُني على إثرها ملما بحيثيات هذه المغامرات.. فانتقلت من مكتب إلى مكتب ومن شباك إلى شباك، بحثا عن صاحب الختم.. لجواز أسود.. يحمل من اسمه كل المعاني.. فلسطين..
 

لست أدعو إلى تحرير القدس التي تبعد أقل من 36 كلم عن الزعماء العرب في القمة العربية.. ولا إعلان حرب على إسرائيل.. ولكن أضعف الإيمان، أن يعامل الفلسطيني في سفارات بلداننا العربية، كما يعامل في خطابات زعمائنا

كنت فيما مضى أستغرب خوض الشباب الفلسطيني المغترب في قصص تغيير الجواز، والحصول على جنسية ثانية، استنكر حيز الوقت الذي تأخذه من مجالسهم، وأنظر للمسألة كنوع من التملص والخيانة لقضية أعتبرها محورية في وجداني، وأنا ابن تونس.. فما بالك بالنسبة لهم؟ لكنني الآن.. فهمتكم.. فهمتكم.. بعد أن حدثني أحد الأصدقاء عن منحه راتبا ضعيفا قبل خمس سنوات، وطرده من العمل بعد ستة أشهر لاستحالة إتمام إجراءات إقامته بإحدى الدول العربية، وقد عاد اليوم للعمل بنفس الشركة بخمسة أضعاف الراتب الذي كان يتقاضاه ولكن بجواز كندي.. فهمتكم أيضا.. بعد أن أسر لي مدير وكالة أسفار بإحدى الدول العربية، أنهم يقبلون نظريا طلبات التأشيرات للفلسطينيين ولكن لديهم تعليمات شفوية من إدارة الحدود والأجانب بعدم قبولها وحتى في صورة تمريرها فسيتم رفضها لاحقا..

نعم.. فلسطين تجمعنا.. وعندما يتعلق الأمر بقضيتها، تتلاشى كل الخلافات الأيديولوجية والعقائدية، وتتوحد كلمة اليساري والإسلامي والقومي، وحتى فلول النظام لا يجرؤون على التغريد خارج السرب في مثل هذه المواقف.. ولكن أين هو العربي الشهم، المحب للقدس وأهل غزة بين حكامنا وقادتنا.. مليار ونصف مليار.. مئات الآلاف وأحيانا ملايين الدولارات.. لا يملك الفلسطينيون سوى أن يشكروا أهل الخير خاصة في محنهم، وأجر المانحين على الله.. لكن هذه الهبات لا ترقى لموقف سياسي واحد يفرج كربة أو يفك حصارا..

لست أدعو إلى تحرير القدس التي تبعد أقل من 36 كلم عن الزعماء العرب في القمة العربية.. ولا إعلان حرب على إسرائيل.. ولكن أضعف الإيمان، أن يعامل الفلسطيني في سفارات بلداننا العربية، كما يعامل في خطابات زعمائنا.. وإلا فكفوا عن دجلكم وتجارتكم.. ربما فلسطين في المقدمة.. ولكن، ليس ترمب أمريكا لوحده من يستبعد المهاجرين والنازحين من مناطق الحرب، إنما هناك تشديدات كبرى في بلداننا العربية اليوم على أصحاب الجوازات الليبية واليمنية والعراقية والسورية..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.