شعار قسم مدونات

فجأة اكتشفوا أنهم يحبون أربكان

Turkey's former islamist prime minister Necmettin Erbakan, holds a newsconference, in Ankara, August 22, 2002. Erbakan, lauched his electoralcampaign for upcoming November 3 polls. Erbakan's religious WellfareParty was banned in 1998 and a court sentenced Erbakan to two years andfour months in jail on charges of embezzling funds from his party.Erbakan and some of other party officals expelled from parliament andbanned from politics for five years. REUTERS/str. REUTERSXX

كرَّس رئيس الوزراء التركي الأسبق، نجم الدين أربكان، حياته لنجاح مشروعه السياسي المسمى بالتركية "مللي غوروش"، أي "الرأي الوطني". وفي سبيل ذلك، واجه مشاكل عديدة ومعاناة كبيرة، حتى يلقى ربه رحمه الله في 27 فبراير / شباط 2011 في أحد مستشفيات أنقرة عن عمر ناهز 84 عاما.

مسيرة أربكان السياسية بدأت بعد تجربته في اتحاد الغرف والبورصات التركية. وقد تولى منصب الأمين العام في الاتحاد، ثم انتخب رئيسا له، إلا أن حكومة سليمان دميرل ألغت نتائج تلك الانتخابات، واضطر أربكان لترك رئاسة الاتحاد. وكان هدفه في تلك الحقبة دعم المستثمرين الصغار في الأناضول لتشجيع الإنتاج الوطني، إلا أنه وجد أمامه عراقيل مختلفة تضعها الحكومة. ورأى خلال هذه التجربة أنه لا بد من الدخول إلى المعترك السياسي لخدمة الوطن وأبنائه. ودخل البرلمان التركي كنائبٍ مستقلٍ عن محافظة قونيا بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 أكتوبر / تشرين الثاني 1969. وكان أول خياره الترشح ضمن قوائم حزب العدالة إلا أن رئيس الحزب سليمان دميرل رفض ترشيحه، ما دفع أربكان إلى خوض الانتخابات كمرشح مستقل.

أسَّس أربكان مع عدد من رفاقه حزب النظام الوطني، أول أحزاب تيار "مللي غوروش" السياسية، في 17 يناير / كانون الثاني 1971، إلا أن المحكمة الدستورية قررت في 20 مايو / أيار 1971 حظره، بتهمة القيام بأنشطة مناهضة للعلمانية ومبادئ أتاتورك. وهكذا بدأت سلسلة حظر الأحزاب السياسية التي تمثل تيار "مللي غوروش" واحدة تلو الأخرى بذات التهمة. وأسَّس أربكان بعد حزب النظام الوطني، حزب السلامة الوطني، ثم حزب الرفاه، ثم حزب الفضيلة، وأخيرا حزب السعادة. وتم حظر كلها باستثناء الأخير إما بتهمة مناهضة العلمانية أو لكونه امتدادا لما سبقه.

أربكان في ذاكرة القوى العلمانية "أبو الإسلام السياسي ورمزه" في تركيا. ومن المستحيل أن تتغير هذه الصورة الراسخة في تلك الذاكرة بعد وفاته.

القوى العلمانية حاربت نجم الدين أربكان، منذ خطته الأولى في مسيرته السياسية، ورأت مشروعه خطرا على النظام العلماني الأتاتوركي. وكان حزب الرفاه برئاسته فاز بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 24 ديسمبر / كانون الأول 1995، وحصل على 158 مقعدا في البرلمان من أصل 550 مقعدا، وشكل حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيللر، إلا أن تلك القوى تآمرت على هذه الحكومة وأسقطتها، كما أن العسكر أسهم في إسقاط حكومة أربكان الائتلافية من خلال الضغوط التي مارسها على أربكان في اجتماع مجلس الأمن الوطني في 28 فبراير / شباط 1997.

وفي 21 مايو / أيار 1997، طلب المدعي العام التركي من المحكمة الدستورية حظر حزب الرفاه بتهمة القيام بأنشطة مناهضة للعلمانية. ووقف أربكان، البالغ من العمر 71 عاما، لمدة ساعات طويلة أمام أعضاء المحكمة للمرافعة عن حزبه. وعلى الرغم من رفضه كل التهم الموجهة إلى الحزب، قضت المحكمة الدستورية بإغلاق حزب الرفاه ومنع أربكان وبعض قادة الحزب من ممارسة العمل السياسي لمدة 5 سنوات.

العلمانيون المتطرفون بذلوا كل ما بوسعهم لقتل أربكان ودفنه سياسيا، ولم يدَّخروا جهدا في تشويه صورته وشيطنته. حاربوه بكل وسيلة. سخروا منه، واستهزؤوا به، وشتموه وسبوه بألفاظ نابية، ووصفوه بما لا يليق برجل كبير في مقامه وسنه. ثم فجأة زعموا بعد سنوات من رحيله أنهم يحبونه ويقدِّرون جهوده.

نظَّم حزب السعادة التركي برئاسة تَمَلْ كارامولَّا أوغلو، الأسبوع الماضي، فعاليات بمناسبة الذكرى السادسة لرحيل أربكان، ودعا إليها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو. واستجاب الأخير هذه الدعوة، وشارك فيها، وألقى كلمة ترحم فيها على أربكان وأثنى عليه، وقال إنه، أي أربكان، يجب أن يتخذه جميع السياسيين قدوة لأنفسهم. وزعم كيليتشدار أوغلو أن أربكان كان متمسكا بالنظام البرلماني ورافضا للنظام الرئاسي.

مشاركة كيليتشدار أوغلو وأسماء أخرى من العلمانيين المتطرفين في فعاليات تم تنظيمها لإحياء ذكرى رحيل أربكان، أثارت موجة استياء جديدة في صفوف حزب السعادة، الذي يتهم منذ اندلاع الثورة في سوريا بالانحراف عن مسار أربكان بسبب تأييده للنظام السوري وحلفائه. غير أن قيادة الحزب التي دعت إلى رفض التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي ما زالت تصر على تجاهل جميع الانتقادات الموجهة إليها.

أربكان في ذاكرة القوى العلمانية "أبو الإسلام السياسي ورمزه" في تركيا. ومن المستحيل أن تتغير هذه الصورة الراسخة في تلك الذاكرة بعد وفاته. ولذلك استنكر العديد من الموالين لحزب الشعب الجمهوري مشاركة كيليتشدار أوغلو في فعاليات ذكرى رحيل أربكان، إلا أن المتابع للشأن التركي يعرف أن هذه المشاركة في الحقيقة ليس حبا في أربكان ولكن كرها في أردوغان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.