شعار قسم مدونات

المجدُ للكواليس

blogs - مصور صحفي
دائماً ما نُمجّد حضور فنان مُعيّن ونُبدي إعجابنا بمؤلّف كتاب في فلسفة الجسد أو علم النّفس مثلاً أو راوٍ يروي عن مآسي الكوكب وأحزانه، وكثيراً ما نجلدُ مدحاً أُناساً طالما أمتعونا بظهورهم على الساحات المُختلفة في شتّى العلوم والثقافات والآداب، ويكون لهم النصيب الأوفر في المدح والنّقد والتحفيز والكثير من الشُكر.

أنا من مُحبّي الأدب الروسي والألماني وممن يتلذذ في قراءة روايات العظيم ميخائيل بولغاكوف الخيالية والهجائية ومُدمن إلى حدّ كبير لاستنشاق صفحات يوهان جوتة الأديب الذي لا يُشقّ له غبار ومُتأثر جداً بطُرق السرد وأساليب التشبيه وعُمق الكلمة خصوصاً على الطريقة العربية كونها روايات وكُتب مُترجمة، في الحقيقة لم أكُن مُنصفاً ولم ألقِ بالاً ولم أقدّر المجهود الكبير والعظيم الذي قام به هذا الأديب والمترجم وربما أيّاماً طِوال استغرقها المترجم ليُضفي هذا الرونق الجميل والسرد السليم وتمحيص اللغة وعصرها ليُترجم نصّاً عاديّاً حتى تبدو عليه العظمة، المُترجم لا يقلّ شأناً عن كاتب الرواية أبداً وكثيراً ما نظلم مجهوده بحكم الاسم الشهير الذي يروي، وبهذا يضرب المُترجم مثالاً على أبطال الكواليس الذين يفتقدون للالتفات ولو بنسب قليلة.

تحدُث الكثير من المواقف والبطولات والتضحيات والنظريات التي لا تخرج عن حيّز الإمكان، ودوماً ما يكون أبطالها لامعين على الفضائيات ومُتصدرين للمشهد العام للصورة الكبيرة التي يراها الجميع، لكن تكمن حقيقة هذا الإنجاز في أبطال الكواليس الذين يُسخّرون أوقاتهم وجهودهم لتظهر تلك الصورة البهية على هيئتها التي نراها.

لماذا تُصاب الشعوب والأمم وحتى الأفراد بالعمى، لماذا يُصرّون على إسقاط الضوء على شيء وتهميش آخر، لماذا نجعلهم من المتعوسين الخائبين الكارهين للنجاح.

أعجبني مثلاً منذُ أيّام نشرة إخبارية قدّمتها إحدى المُذيعات الذائعات الصيت في الوسط الإعلامي، قابلت النشرة استحساني وأعجبتني جداً طريقة ومحتوى الخطاب، وبالفعل انتشرت النشرة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث جعلوا من تلك الإعلامية أيقونة قومية وربما أكثر، لكن في الجانب الآخر لم يلتفت أحد لمُعدّ الخطاب وللوقت والجهد الذي بذله الصحفي للحصول على الخبر، حتى المُخرج الذي ترك بصماته الجميلة حتى تظهر لنا النشرة بأبهى صورة لم يتم ذكره.

من هنا بدأت نظرتي للأشياء تتوسع شيئاً فشيئا مُلتفتاً لما يمضي أمامي بعينٍ أخرى تسعى للعثور على الناجحين وأبطال الكواليس، أصبحت أغوص في اللحظات الجميلة من منظور آخر، أحببتُ مثلاً وكيل اللاعبين الذي هو السبب الأول في ثراء بعض اللاعبين العرب وشهرتهم من حيث عرض مهارات اللاعب والجهد الذي يبذله ليصل إلى إدارة الفريق حتى يتسنّى لهم التعاقد معه.

مُهمّ عندي جداً أن أعرف أسماء مُدبلجي أصوات الشخصيات الكرتونية اليابانية كالمحقق كونان وتوغو موري، حيث هم أكبر أسباب نجاح البرنامج، تُعجبني نزاهة العُمّال الذين يبذلون الغالي والنفيس حتى تظهر مدينتهم في أبهى حلّة ونظافة، فضلاً عن مدح مدير المؤسسة أو صاحبها.

لماذا تُصاب الشعوب والأمم وحتى الأفراد بالعمى، لماذا يُصرّون على إسقاط الضوء على شيء وتهميش آخر، لماذا نجعلهم من المتعوسين الخائبين الكارهين للنجاح بمجرّد عدم الالتفات لهم وإعطاء كلّ ذي مجهودٍ حقّه؟! أسئلة أودعها في صدوركم لعلّكم تحصلون على إجابة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.