شعار قسم مدونات

القيم بين المشروع الإسلامي الحضاري والمشروع الغربي

blogs - mosque
لم تكشف ظاهرة تصاعد النزعة الفاشية العنصرية في المجتمعات الغربية عن الخواء الأخلاقي والإنساني للعلمانية الغربية فقط، فقد كشفت هذه النزعة الشعوبية عن مشاعر كراهية دفينة للآخر، ورفض لكل قيم التعايش والقيم الإنسانية، وحتى قيم المحافظة على البيئة والمناخ؛ ولاسيما بعد تهديد "ترامبط بإلغاء التوقيع على اتفاقية باريس للحفاظ على المناخن وهذا التعري الأخلاقي يؤكد أن الأخلاق والقيم التي استوعبتها القوانين الغربية هي أخلاق الضرورةن وهي قابلة للتغير والتبدل بتغير المصالح والضرورات.

وإذا كانت العلمانية الغربية قد بدأت بتبني فصل الدين عن الدولة، وانتهت بفصل الحياة عن القيم والأخلاق، وتضخيم المصلحة الفردية الأنانية، وحاولت بمقابل ذلك تنظيم قوانين صارمة للتعايش المشترك والمواطنة المتساوية بقوة القانون، فإن واقع الحال يؤكد أن فرض القيم بقوة القوانين وحدها لا يكفي لتحويل هذه القيم إلى أخلاق راسخة ما لم تنبع هذه القيم من جذور فكرية وعقدية تتفق مع الفطرة البشرية، ومع إرادة الخير، والتي قد تتضمن التضحية بمصالح ضيقة من أجل مصالح عامة، ولكن ليس على الطريقة الاشتراكية التي غلبت المصلحة العامة على المصلحة الفردية حتى سحقت إرادة الفرد، وأهدرت حقوقه وكرامته وحرياته، وانعكس ذلك في الأخير بصورة سلبية على المصلحة العامة نفسها.

 إنطلق النهوض الغربي في بدايته من قيم التغلب وقهر الطبيعة و تمجيد القوة وتطبيق النظرية الداروينية "البقاء للأقوى" في المجال الاجتماعي والسياسي.

إن نقطة ضعف النزعة الإنسانية الغربية تكمن في نزوعها نحو تقديس القوة في الصراع مع الطبيعة، فالنهوض والإعمار للأرض وفق الثقافة الغربية المادية لا ينطلق من قاعدة الرعاية و التسخير الرباني للإنسان الذي استخلفه الله في الأرض للإصلاح ومحاربة الفساد وحماية البيئة كما هو الحال في الفكر الإسلامي، ولكن النهوض الغربي أنطلق في بدايته من قيم التغلب وقهر الطبيعة و تمجيد القوة وتطبيق النظرية الداروينية "البقاء للأقوى" في المجال الاجتماعي والسياسي؛ ولهذا انطلقت الامبراطوريات الغربية لغزو العام واستعماره في القرن التاسع عشر، والقرن العشرين، وأغرقت البشرية في أتون حروب عالمية مدمرة أبادت الملايين من البشر، ولم تتوقف إلا بعد اكتشاف الأسلحة النووية المدمرة، وظهرت النزعات الفاشية الخطيرة التي طالبت بإبادة الأجناس والأديان الأخرى.

وإذا كانت فلسفات التنوير الغربي ونزعتها الإنسانية قد أعلنت في بداية الأمر تسيد الإنسان للوجود، وأن الإنسان محور الكونن ووصلت إلى درجة تأليه الإنسان، فإن هذه النزعة الإنسانية سرعان ما انتكست تحت تأثير النزعة الداروينيةن وبدأت تتحدث عن مركزية الإنسان الغربي فقط! والذي يحق له استبعاد العالم واستعماره، وممارسة الوصاية عليه واستغلال ثرواته. واليوم ترتفع الأصوات في المجتمعات الغربية تطالب بإيقاف الهجرة البشرية من الدول التي دمرها الاستعمار الغربي نفسه! وجعلها غير صالحة للحياة. وما زال يمارس الوصاية عليها ويمنعها بطرق مباشرة وغير مباشرة من التحرر والتنمية الحقيقية.

يجب على حملة المشروع الحضاري الإسلامي العمل ليل نهار من أجل تبيان الصورة المشرقة للإسلام، والتي تكمن في قيم الإسلام الثابتة، وليس في التطبيقات التاريخية التي كانت تتلائم مع ملابساتها الزمنية والمكانية.

إن تصاعد النزعات الشعبوية العنصرية في المجتمعات الغربية اليوم، والتي ظلت تتبجح طويلا بتفوقها الأخلاقي يكشف إفلاس مشروع أخلاق الضرورة الضيقة وإمكانية الانقلاب الاجتماعي على هذه القيم عندما تقتضي المصلحة ذلك في جولة جديدة من الصراع العنيف. ونحن هنا نؤكد أن أسباب تأزم المشروع القيمي الغربي تكمن في نقطة ارتكازه على تأليه الإنسان وما تناسل عنها من نظريات عنصرية فاشية تحدثت عن مركزية الإنسان الغربي، ومركزية الغرب.

ونؤكد هنا أن المخرج من هذه الأزمة يتمثل بالتصور الإسلامي الحضاري للكون والإنسان والحياة وما ينتج عن هذا التصور من قيم حضارية إنسانية راقية تدعو إلى احترام البيئة والوقوف ضد الفساد في الأرض وتؤكد أن الله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعاون على البر والتقوى ونتناهى عن الإثم والعدوان، وتدعو إلى تتميم مكارم الأخلاق الإنسانية. فإذا كانت الحضارة الإسلامية قد حررت العقل البشري من تقديس الطبيعة وعبادتها بقيم التوحيد الإسلامي وقيم الإيمان بأهمية الإنسان في الوجود وتكريمه، وأن الله سخر له ما في السموات والأرض واستعمره فيه، فقد استفادت الحضارة الغربية من ثقافة التحرر من تقديس الطبيعة، ولكنها تطرفت فأعلنت الحرب على الطبيعة لقهرها حتى ظهر الفساد في البر والبحر والجو.

إن واقع الصراع العالمي اليوم يفرض على المسلمين، ولاسيما حملة المشروع الحضاري الإسلامي العمل ليل نهار من أجل تبيان الصورة المشرقة للإسلام، والتي تكمن في قيم الإسلام الثابتة، وليس في التطبيقات التاريخية التي كانت تتلائم مع ملابساتها الزمنية والمكانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.