شعار قسم مدونات

ويسألونك.. لماذا الثورة؟

blogs - شعار ثورة

لماذا الثورة؟.. لعلّه سؤال متأخّر زمنيّا عند كثيرين، فقد وقع الفأس في الرأس كما يقولون، نعم هي فأس الثوّار وإنها رؤوس أصنام السلطة، واليوم ليس بيد أحدنا أن يُعيد الأيّام لنفكّر قبل أن تصدح أصوات الميادين الهادرة في شوارع القاهرة وصنعاء وتونس وبنغازي ودمشق. لكن إلحاح السؤال يشغل عقولنا كلّما طرقت الثورة أبوابها وجدّدت ذكراها في وجدان الثائرين وخيالهم حين أرادوها لتوفّر العيش الكريم فقالوا "خبز"، وتعتق الفكر والقلم فهتفوا "حرية"، وتجلب المساواة والعدل فصدحوا "عدالة اجتماعية"، فالثورة في أولى لحظاتها لم تكن سوى مشروع "الخلاص الجماعي" لأفراد استبدّ بعقولهم حلم الانطلاق ومجتمعات أنهكها خراب السلطة.

جرت الأيّـامِ وحدث ما رأيتم حين أرادت قوى الثورة المضادة كما اصطلح على تسميتها أن تعيد إلى الميادين هدوءها، وأن تنقل الضجيج وأصحابه إلى عنابر السجون، وحفر المقابر، وتقول آلتها الإعلامية بلا حياء: أيها الثائرون .. قد ضرّكم من غرّكم، فقد أَضعتم البلاد خلف مغامراتكم، فلا أرضًا قطعتم ولا ظهرًا أبقيتم. 

إنها مأساة عقل انتقائي يقفز إلى النتائج مهملا أسباب الظواهر ودوافعها، عقلٌ لا يريد أن يواجه حقيقة أعلنها ابن خلدون مبكّرا في مقدّمته حين كتب "الظلم مؤذن بخراب العمران"، فهم يريدون منا أن نسلّي أنفسنا بالوهم، ونغضّ أبصارنا عن المآسي، بل يريدون لنا أن نموت ذُلاًّ على أسرّة مستشفيات تفتقد لأدنى مقوّمات الإنسانية، أو ننتظر أجلنا في السجون على ذمّة التفكير، أو أن نهلك في حوادث المرور جرّاء طرقاتنا المتهالكة، المهم أن لا يموت الواحد منّا عزيزًا يطالب بحقّه في الحياة، أو شريفًا يرفع الظلم عن بلده وأهله.

القول إن الحل يكمن في التفاهم مع الغرب، فهو حل راهن ينطلق من ضعفنا وعدم قدرتنا على أي فعل مرحلي، لكنّه قطعًا حلٌّ وإن رضينا به آنيًّا فلا يمكن القبول به على الدوام

سيقول بعضهم: لقد فشلت الثورة حين حكمت، فاتركوا الناس يقررون مصيرهم ؟ ودعوا البلد للسابقين من حكّامه؟ فأقول لهؤلاء: أي مصير ينتظر البلد وأهله إن لم يكن العدل أساسه، وحقوق الناس وجهته، فلم يفسد أوطاننا سوى الحلول الجاهزة، والأفكار المسلوقة، فأي حلول سيجدها من يكرّر تجربته مرّة بعد أخرى ويتوقّع نتائج مختلفة؟ ذلك هو الجنون بعينه وفق أينشتاين الذي كان يدعو إلى صرف جل الوقت في تشخيص المشكلة قبل البحث عن حلّها.

أمّا القول إن الحل يكمن في التفاهم مع الغرب، فهو حل راهن ينطلق من ضعفنا وعدم قدرتنا على أي فعل مرحلي، لكنّه قطعًا حلٌّ وإن رضينا به آنيًّا فلا يمكن القبول به على الدوام، فأي غرب يجب علينا أن نتفاهم معه؟ وإلى متى سنظلّ بانتظار تعاطفهم؟ ومتى سيبقى العربي في أوّل الطابور؟ فنحن اليوم في حاجة ماسّة إلى حلول تقوم على احترام ذواتنا وإعادة تصوراتنا بالقدر ذاته الذي نحن بحاجة إلى إعطاء الآخر وزنه ومساحات تحرّكه.

ليست الثورات فاشلة وإن فشل بعض قياداتها، ولا المسار خاطئا وإن بدا السّير متوقّفا، لكن دعوا التغيير يأخذ زمنه، فالوقت جزءٌ من العلاج، فهو الذي سيصنع للبلد نخبته، ويرفع للشعب منسوب إدراكه ووعيه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.