شعار قسم مدونات

لم تكن ثورة.. وأنت لست بثائر

blogs - الثورة

أتذكرون قبل ١٠ سنوات؟ عندما كانت كلمة ثورة، كلمة محرمة، ثمرة مشتهاة، كأن حرف الثاء فيها خطيئة، ولم يزدها هذا إلا اغراء، ولم يزدنا إلا اشتهاء ورغبة؟ كانت الممنوع المرغوب. بسببها كانت تقطع رقاب ويسجن بشر، وتزهق أرواح! كانت الكلمة التي نتناقلها بيننا سرا كاللصوص. كانت التي تصبرنا على الهوان والذل، كانت تمثل لنا الخلاص والأمل! كم حلمنا بها ليلا ثم بين ليلة وضحاها أصبحت الثورة بغيا فاسقة! نتحدث عنها علنا كل يوم، بعد أن انتزعت منها الروح انتزاعا.
 

عن أي ثورة تتحدثون؟ إن الثورة لتسميها ثورة يجب أن تكون في الأعماق، الثورة الحقيقية، تكون متقدمة جدا، لأنها تبدل الإنسان وتجدد المجتمع. وكما قال فرانز فانون في كتابه سوسيولوجيا ثورة، أن الثورة تحمل إلى النفوس البرء والطهر، ويستطيع بها المجتمع التحلل من أدران الجمود والتأخر. فإذا به، باندفاعه، ينضو عنه أوهاما مزمنة، وأفكارا بالية، ويتصل مباشرة بينبوع الحياة المتجدد، فيبعث في تاريخه دفقا حيا يدفعه إلى الأمام بعد أن كان عبئا عليه يشده إلى الخلف، وإذا به، وهو الذي عاش قرونا في جمود حتى ظن به العقم، لا يتبنى أكثر أشكال الحضارة تقدما فحسب، وإنما يضع قيما جديدة ويبني حضارة ويتكشف عن قدرة فائقة على الاتقان وقابلية مذهلة للتجدد والتطور والحياة. أرجوكم لا تسموها ثورة! لم تكن تلك بثورات..

إن المقياس الأساسي الذي يحدد ثورة ما، ليس الأصل لقوادها، وإنما هو في الدرجة الأولى الطبقة الاجتماعية التي توجه الثورة ضدها

إن الثورة لا تطلع من الأرض جاهزة، ولا تسقط من السماء كاملة. وهي لا تصنع كيفيا، وليست بمادة تستورد من الخارج. ليست علاجا يحضر في المختبر. أو وجبة تهيأ بالاعتماد على كتاب ممتاز في فن الطبخ. الثورة أولا وضع ثوري يحتكر في أعماق المجتمع وفق شروط لا تتعلق بإرادة الناس والطبقات والأحزاب، لكن لا يتحول بالضرورة كل وضع ثوري إلى ثورة. يجب، لكي يتفجر في ثورة، أن تلقحه وتحييه طاقة وإرادة طبقة اجتماعية متقدمة وعازمة على قلب الطبقة الاجتماعية المسيطرة. أكيد إن تحديد اللحظة الملائمة لا يكفي. ذلك أن الثورة ليست فقط عمل مجموعة من الأفراد يستشيرون عرافا، ليحضر لهم حجابا. فحين يتم اختيار اللحظة بدقة، لا بد من الشجاعة السياسية التي تنبعث من القوى الذاتية للانتصار، دون انتظار العون الخارجي، لكن دون إهمال تهيئة التضامن الدولي.

وليس هذا كل شيء، فحين تعلن الثورة، لا بد من توكيد امتدادها المستمر ونجاحها النهائي. إن المقياس الأساسي الذي يحدد ثورة ما، ليس الأصل لقوادها، وإنما هو في الدرجة الأولى الطبقة الاجتماعية التي توجه الثورة ضدها. لا يمكن لأي حركة ثورية أن تأمل بالنجاح، ما لم تغرس جذورها في الواقع التاريخي. لكن لا بد لها، لكي تغرس جذورها، من اختبار الكفاح العظيم ومن التعمق في عقيدة سياسية حقة. لأن كل ثورة قبل النضوج الشعبي تتحول إلى مجزرة!

فحين يكون الإنسان مؤمنا بأن الخير الأسمى هو الحرية وليس الحياة، لا يعود المثل الأعلى له أن يحيا ويهرم كالكلب، بل أن يواجه الموت كالأسد. ولكي تكون لديه الشجاعة لأن يحلم باسترداد حريته وانتزاعها ضد الرشاشات والدبابات والطائرات، لا بد أن يكون مليئا بالتفاؤل الذي لايتزعزع. ولكن الرسالة تحتاج لكي تصمد وتنتصر أن تقودها سياسة بصيرة كما قال عمار أوزيغان في الجهاد الأفضل. فأعيدوا للثورة قدسيتها! لا تلوثوها إن لم تقدروا عليها. خذوا كل شيء واتركوها لي. اتركوا لي كلمة ثورة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.