شعار قسم مدونات

الشباب العربي بين مطرقة الواقع وسندان الطموح

blogs - ناس في الشارع
ميزة المجتمعات العربية أنها مجتمعات فتية ترتفع فيها نسبة الشباب ما دون الثلاثين سنة، والشباب والفتوة نعمة لذلك سميت بالعنفوان، لذلك لا بد من إيلاء الشاب الأهمية التي يستحقها ضمن كل زوايا الحياة العامة للمجتمعات.. الشاب العربي اليوم هو ذلك الذي واكب زمن "الانحطاط السياسي" حيث منذ ثلاثين سنة وقبل الربيع العربي لم تكن في أغلب المجتمعات العربية حركية سياسية ولا عمل حزبي قوي وفارض نفسه، بل كانت الدكتاتوريات تعم الأرجاء. ونظرا لغياب التعددية السياسية والنقابية وانعدام المساواة بين المواطنين وارتفاع نسب الفساد في صفوف العائلات الحاكمة وحاشيتها لم يمنح الواقع المجتمعي للشاب فرصة لكي يطور مداركه السياسية وينمي انتماءه الوطني.

لذلك وجدنا الشاب بسيطا وأحيانا تافها، شغلته الأنظمة بالبطولات والكؤوس ومسابقات اختبارات الصوت أو تجده منشغلا بالدراسة والبحث العلمي، ويكون مصيره دماغا مهجرا خارج بلده، يساهم في تطوير علوم الطب والفلك والفيزياء وغيرها في دول تعرف قيمة العلم، لكن فرض عليها الواقع أن تكون مجتمعات متشيخة.. واسترسلت كرة الثلج حتى باتت قوة هادرة مدمرة واستفاق الشارع كالنار من تحت الرماد، وأثبت الشباب مع كل فئات الشعب أن الغضب أصبح ثورة، والصمت بات حسما، والتمييع أدى إلى نتائج عكسية وانقلب السحر على الساحر.

بدأت الشرارة كما اختار كثيرون تسميتها بتونس الخضراء، وانتقلت إلى مصر الكنانة بلد الأزهر اليافع، ومن ثمة ليبيا بلد المليون حافظا، إلى اليمن السعيد، إلى سوريا الحبيبة التي نبكي على حالها ولا تسعنا العبارات عنها، كذلك شملت التوترات الممالك الأردن والبحرين والمغرب… وكانت بداية انفجار الوعي السياسي نهاية الأنظمة الفاسدة المستبدة، وتبعثرت حبات عقد الجبار من بن علي إلى مبارك إلى القذافي إلى علي عبد الله صالح إلى الأسد.. قضى الشباب دون إمعان في التفاصيل على الأنظمة التي قمعته ونمت فيه شعور النقمة وساعدته على التحدي والتضحية، وقدم ولا يزال يقدم ما بإمكانه بناء شرق أوسط جديد متحضر منفتح قوي وواع.

دعه يعمل، دعه يخطئ وأنت عضده وناصحه، بدل أن ينتقل بعدك لما لم يجربه قبلا فيخطئ ولا يجدك. دعه يفهم، دعه يحلل ولو فوقا وتحتا بوجودك كي تعدل له وتصلح شأنه.

مفتاح ما ذكرنا أعلاه، هو الوعي السياسي الذي يقوم على أربعة ركائز أساسية هي الرؤية الشاملة، الإدراك الناقد، الشعور بالمسؤولية والرغبة في التغيير، وتكمن أهمية الوعي في كونه عماد نجاح كل مشروع والمدخل الرئيس لمعرفة الواقع المعاش، فهما يتجاوز الموجود للوصول للممكن فالمنشود.. وفي غياب وعي سياسي محيط وحاضن للتغيير السياسي يكون السقوط في فخ الاختراق السياسي والفكري كما هو الحال بظهور داعش المشؤوم وعبدة الشياطين ودعاة حرية الجسد والمساواة في الميراث. هي وغيرها مشاكل فارغة هامشية تشغلنا عن العدو الحقيقي وتصرفنا لما لا يرجى منه سوى الانتكاس والرجوع على الأعقاب والتفويت في الفرص المتاحة.

هذا الوعي هو الدافع الذي يجعل الشاب فاهما لحقوقه قائما بواجباته وغير مستغن عن حرياته، وذلك نفسه ما يجعله مؤهلا للمساعدة في بناء المشهد السياسي العام، ومن ثمة التقدم لخوض غمار القيادة وافتكاك المشعل، وهذا هو الأمر الذي يطرح السؤال الحقيقي: لماذا بعد ثورات الربيع العربي والحديث المطول عن التداول السلمي على السلطة وتشبيب الأحزاب والحياة السياسية عموما وفرض وجود شاب في القوائم الانتخابية مثلا وغيرها من الشعارات نجد حال الشباب متوقفا على المجهود البدني (تعليق/ إزالة/ ذهاب إياب…) في حين يلتصق الشيوخ بمناصبهم بشكل ملفت للانتباه؟

تجد القيادات السياسية في أغلبها حتى لا نقول جميعها شيوخا وشعر أبيض ومتابعة صحية.. وكما تتحدث عن تعلية سقف الطموح والعمل والإنجاز، كذلك تتكلم دون رغبة منك عن ارتفاع معدل أعمار السياسيين والرؤساء والسفراء والوزراء بشكل ملفت… هل باتت الحنكة السياسية حكرا على مناضلي ما قبل الثورات (وحفظ لهم ما قدموه ويقدمونه في سبيل أوطانهم)؟ أم أن هؤلاء الشيوخ عجزوا عن تمرير المشعل لتلاميذهم؟ أم استسلم تلاميذهم لانقضاضهم على الحيز الفعلي للسياسة؟

بعد أن صارع الشاب منظومات الفساد والاستبداد بات يكابد عناء الانتصار والإنجاز كقيادي وسياسي قادر وواع وغير تابع. ولا تتوقف المكابدة على السعي في التواجد والدربة والقيادة بل بات واقفا على ما قدمه من وقت وجهد وسهر ودراسة دونما يتجاوز تقدمه خطوات قليلة تبقى دائما عاجزة على بلوغ الدرجة التي يستحقها والتي لا تعد هبة ولا تكرما بل واجبا.. وإن أنعم الله على المجتمعات العربية بالفتوة ثم بالثورة ثم بالتجديد يبقى الحال السياسي متحجرا في مصطلحات قديمة متآكلة كالخبرة والحكمة والحنكة وغيرها مما لم يشهد له بالاقتصار على المسنين. وليس الطلب متمثلا في انفراد الشباب بالمشهد بل بمشاركته في صنع القرار واجتياز التحديات والدربة بالممارسة. فكيف له أن يمر لمرحلة ما بعد الشيوخ إذا ما استحوذ هؤلاء على إمكانية بناء سلم متدرج فيه من الأمل والتعلم والقدوة والتجربة.

دعه يعمل، دعه يخطئ وأنت عضده وناصحه، بدل أن ينتقل بعدك لما لم يجربه قبلا فيخطئ ولا يجدك.
دعه يفهم، دعه يحلل ولو فوقا وتحتا بوجودك كي تعدل له وتصلح شأنه بدل أن تتركه وقد صنعت مجدا لنفسك يهرؤه بعدك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.